والقلب في الجسم يقذف الدم إلى كل خلية لتحيا، وكذلك يجب أن يقذف قلب الدولة إلى كل فرد فيها غذاء الجسم والفكر والروح ليحيا الحياة الكاملة
والفكر في الجسم الواحد حارس يقظ أمين يتلقى الرغبات ويصدر الأوامر، وكذلك يجب أن يكون قادة الأمم والمسيطرون عليها. . .
فأنا لم أشد بأخلاق الإنسان الحالية وإنما أشد بعلومه وفتوحه في مجاهل الكون، وأريد من وراء هذه الإشادة يقظة النفس المادية الدائرة مع الحديد البليد القاسي في غير وعي وإحساس إلى آثارها وتفردها بين الكائنات حتى تعلم وضعها الصحيح. . .
والواقع أن أخلاق الإنسان لم تتطور كما تطور علمه وفكره، بل لا يزال يعيش بمواريث التاريخ السيئة المغلوطة، ولم يجد له زعماء انقلاب في روحياته، كما وجد زعماء انقلاب في مادياته. . .
فالانقلاب الجسمي والآلي والصناعي في حياة الإنسان لم يصحبه انقلاب نفسي يجعله يصفي تركات الماضي في الأخلاق ويتحرر من مواريث التاريخ السيئة ويقيم حضارة روحية تناسب هذه الحضارة المادية التي أقامها في مدى السنوات الخمسين الأخيرة.
ولو آمن الإنسان بالإنسان وأدرك مدى الرحلة التي رحلها في الحياة والخطوات التي سارها في التاريخ ومركزه بين الكائنات كخليفة في الأرض خلف الله على جميع مقدراتها، وصنع فيها موجودات فاقت نماذج الحيوان في الدقة والاحتمال والسرعة والخدمة آلاف الأضعاف، وعرف أن الله ما كان ليعطيه هذه القدرة العظيمة على الصنع والإنشاء والافتنان إلا وهو به حَفيٌ، وعليه متفضل، وله مكرم، وإياه مسدود وموفق، ولتطوراته مرتقب ومنتظر بلوغه رشده؛ لو آمن بهذا كله لأسرع إلى إقامة الحياة على ما أقام الله الطبيعة عليه من العدل الموزون والرحمة السابغة والتوزيع الكريم، فإذا لم يذهب الإنسان إلى هذا طائعاً مختاراً كما فعلت أمم الشمال في أوربا، فسوف يذهب إليه مكرها بالحديد والنار في يوم أحسبه قريباً. . .
ملء يدي الاثنتين نصوص من القرآن تثبت أن جميع ما في الأرض خلقه الله للإنسان وخوله إياه واستخلفه عليه وجعله متاعاً وتذكرة له، ولكني آثرت أن أقدم حججاً من الفكر