زعمت فراشة الأستاذ أن علم الإنسان وأخلاقه هما سر تبجحه ودعواه الامتياز، مع أن علمه يكمل النقص الذي في غريزته وفطرته، ومع أن أخلاقه في مثلها الأعلى الذي تحلم به هي دون ما يسود من ممالك النمل والنحل من أخلاق. . .
وأنا أنكر إنكاراً باتاً أن يكون في غرائز الإنسان نقص يحتاج إلى تكميل، وأن يكون العلم هو هذا المكمل. . . وإنما أرى أن غرائزه التي تضمن له حياة آلية رتيبة كحياة أنواع الحيوان، غرائز كاملة يستطيع أن يعيش بها مفتتح حياته وتكفيه. . . فإذا نظرنا للعلم على أنه نتيجة لغريزة حب الاستطلاع فهو إذا أثر من آثار هذه الغريزة، ولكن لا يقال إنه تكميل لها إذ لا نقص فيها. . .
فالعلم نتيجة لهذه الغريزة كما أن الولد نتيجة للغريزة الجنسية. وحب الاستطلاع غريزة مشتركة في جميع أنواع الحيوان، ولكنها فيما عدا الإنسان محدودة بحدود ضرورات حياة الأنواع وفي الإنسان لا حد لها. ولذلك أنتجت للإنسان علماً زائداً عما يحتاجه وعما يمكن أن يدركه أي حيوان. وهذه القابلية الطبيعية الدائمة في هذه الغريزة هي التي أنتجت نمو علم الإنسان وفكره ونمو الحياة به دائماً. . .
والإنسان الفطري المحدود الذكاء يكاد يعيش بالغريزة وحدها فهو لا ينوع ما ورثه من الحياة ولا يزيد عليه ولا ينقص منه. وهو مع هذا يحيا وينمو وسط الأهوال. . .
فغرائز الإنسان التي تكفل له حياة كحياة الحيوان غرائز كاملة يحيا بها حياته الضرورية
أما العلم فيفتح له أبواب حياة خاصة منفصلة عن حياة الطبيعة. . .
فالقول بأن علم الإنسان يكمل النقص الذي في غريزته وفطرته قول غير مفهوم. . .
وأما الأخلاق الإنسانية الحالية فلم أدافع عنها بل نعيت عليها واعترفت بفسادها وقصورها إلا في قليل من الأمم وهي
التي أدركت أن للحياة الإنسانية قوانين تشبه قوانين الطبيعة في صرامة عقابها لمن يخالفها. . .
واعتقادي أن الدولة كائن عضوي يسري عليه ما يسري على أي جسم ذي أعضاء من وحدة المنفعة والضر. . . الدولة كالجسم الواحد لا يصح أن يترك فيه شئ فاسد ولو كان ظفراً وإلا فسد كله. . . ولا يليق أن يكون فيه عضو مريض وآخر صحيح بل يجب أن