والألبان ولا العسل ولا سائر منافع الحيوان. . . ويتركون البراغيث والقمل والضفادع والعقارب والثعابين وسائر الحشرات، والسباع والبهائم حرة طليقة في الحياة ما دامت الأرض ميراثاً مشتركاً بيننا وبينهم، وما دامت جميعها مقصودة بالحياة، وما دام (سر الوجود) قد استعلن فيها استعلانه في الإنسان. . . فماذا تكون النتيجة؟
هي فناء الإنسان بفناء أقواته التي تأكلها قطعان الأنعام والسباع وعراجل الحمير وأسراب الطير والحشرات وغيرها. . . هذا إن عاشت وعمرت دهراً، فإن فنيت فالأرض خراب. . .
تساءل صديقي على لسان أحد حشراته: من ذا كان يستمتع بكائنات الله في الأرض قبل ظهور الإنسان؟
وأجيب: كان يستمتع بعضها ببعض ويعيش بعضها على بعض كما هو الحال الآن. . . فالسباع تأكل الأنعام، والأنعام تأكل النبات، والحشرات يعيش بعضها على النبات وبعضها على الحيوان. . .
ولكن ينبغي أن نعلم ما يقوله العلم من أن الحياة الحيوانية على الأرض لم تكن غزيرة ولا كثيرة الأنواع قبل عصر ظهور الإنسان. . . نظراً لقسوة عوامل الطبيعة من الأمطار والثلوج والبراكين والزلازل التي لم تكن تسمح بحياة كائن ضعيف؛ فلما استقرت القشرة الأرضية قليلاً وهدأت عوامل الغليان والتشقق، وصارت الأرض صالحة للحياة، خلق الله فيها الحيوانات الضخمة الزاحفة، ثم انقرضت بفعل الزلازل والفيضانات واختلافات الطقس. . .
وهكذا الأرض مرت بأدوار وراء أدوار حتى صلحت لحياة هذه الأنواع التي نراها تعمر الأرض. . . وكان كل هذا تمهيداً لإخراج ذلك النوع الذي صار خليفة الأرض وفاتح إغلاقها ومخرج أسرارها. . .
وفترات التمهيد لهذه الحياة الصالحة المعمرة لا يصح أن يعترض عليها معترض بأنها ضاعت هباء. . . فإن أيام الله ليست كأيامنا تقاس بالسنين الشمسية والقمرية، بل هي دهور بالنسبة لنا، ولكنها لحظات بالنسبة للذي خلق الأزمان ويدير الأفلاك دورات هو أعلم بمقدارها. . . والله أعلم متى ينضج الثمار!