ومسكنه وبيئته من القاذورات والعرق والأتربة والمناقع الراكدة الآسنة. . . فلولاها لأصابه الكسل عن كثير من أعمال النظافة والتطهير والتجميل
وقد كانت هذه الحشرات تعيش في الأصل على النبات والحيوان، ثم لصقت بجسم الإنسان وتطورت بلصوقها به. فلا يصح أن يقال إن الإنسان خلق لأجلها. . .
وصوفيتي لا تخيل إلي (أن سر الوجود يستعلن في الجرثومة الضئيلة كما يستعلن في الإنسان والقرد والأفعى!) كلا. . . هناك فروق هائلة بين استعلان قدرة الله في الجرثومة ذات الخلية الواحدة ذات الوظيفة الواحدة، وبين استعلانها في الإنسان ذي الخلايا التي لا عدد لأنواعها وأشكالها وصورها وأوضاعها ووظائفها منفردة وموضوعة في مجاميع ومنتجة حياة كلية. هو كالفرق بين جزئ صغير في قالب حجر موضوع في عمارة من ناطحات السحاب، وبين العمارة نفسها بما فيها من زخرف وزينة. . . وفي هذا التشبيه تجاوز كبير وقياس مع الفارق الهائل. نعم إن الجرثومة شئ ثمين عظيم كأول خطوة في سبيل الحياة. . . ولكنها لن تبلغ مبلغ الإنسان الذي هو آخر خطوات الحياة وحلقتها النهائية كما تقول نظرية النشوء
وما أعتقد أن خالقاً عظيما حكيما يخلق كرة أرضية هائلة، ويجعل فيها رواسي من فوقها، ويجري فيها بحارها وأنهارها، ويقدر فيها أقواتها ليعيش عليها عالم من البراغيث أو النمال أو الثعابين أو الأبقار أو السباع عيشة أبدية بدون خليفة فائق عليها يستطيع أن يضع الحمل بجوار الذئب، والأسد بجوار الغزال، وكل عدو بجوار عدوه كما هو الحال في حدائق الحيوان. إن الحياة حينئذ تكون عبثاً وفيضاً لا يتلقاه أحد يعي ويفكر ويعمل في الأرض عملاً جيداً
وإن الصوفية التي تقول بهذا ما هي إلا شرود وراء الأوهام وعدم الإدراك لغايات الحياة والتمييز بين آفاقها
إنها صوفية كصوفية أبي العلاء المعري المريض شاذ الطبيعة الذي يقول:
تسريح كفك برغوثاً ظفرت به ... أبر من درهم تعطيه محتاجا!
كلاهما يتوقى، والحياة له ... عزيزة ويروم العيش مهتاجا
ولنتصور الناس جميعاً على مذهب أبي العلاء وبعض متصوفة الهند. . . لا يأكلون اللحوم