وقديماً كانت العرب أمة ضائعة المكانة لما كانت مفقودة الإحساس بسمو نفوسها ومواهبها، مغمورة فيما يحيط بها من الطبيعة، مدمجة فيها، عابدة للحقير والجليل منها حتى تسمى أفرادها بأسماء الجماد والحيوان السافل والنبات الحقير: فقالوا حجر وصخر وكلب ويربوع وحنظلة، إلى آخر أسماء ما يحيط بهم، وطافوا بالأحجار والأشجار عابدين عاكفين. . . فلما أيقظهم موقظهم العظيم لأنفسهم وما فيها من امتياز على سائر ما يحيط بها فلا يليق بها أن تلتمس لشيء من هذا المحيط عبادة، ولا أن تبتغي إليه زلفى أو وسيلة، ولا أن تقدم إليه قرباناً من دمائها ودموعها وسائر قرباتها؛ بل يجب أن تبتغي بذلك كله وجهاً أسمى وقدرة أعظم لا تدركها الأبصار ولا تستوعبها الأفكار. . . حين هذا بدا السر الخفي في هذه النفوس الضائعة واستعلن كما يستعلن نور الصباح عريضاً في الآفاق، ومضى أفرادها إلى فجاج الأرض حاملين رسالة وموطدين دولة ومقيمين حضارة
وهانحن أولاء نرى (الهندوكيين) يأتون في عبادتهم للأبقار والحيات وكثير من الحيوان مخازي وسخافات تلطخ وجه الإنسانية بالحياء والخجل والعار. . . كل هذا لأنهم توهموا أن في البقر والثعابين سراً وروحاً مقدساً يعبد، فتركوها تعيش وتسرح وتهيم في الشوارع والبيوت والطرقات وهاموا وراءها وأكلوا روثها وشربوا بولها وتقربوا للثعابين ورحبوا بلدغاتها وموتهم بأنيابها وتركوا بلادهم تصاب بطواعين الأبقار التي تترك حتى تشيخ وتصير عشاً للجراثيم التي تنتقل منها إلى عابديها وساكني بلادها. . . والأبقار المسكينة في ذهول وغفلة عن قربات هذا الإنسان الضال وتقديسه إياها. . . فهي تبول عليه وتنطحه ولا تنفعه. . .
وهكذا كان الإنسان فريسة للأوهام وعبادة الأحجار والأبقار والجعلان والقطط والحيات وغيرها حين لم يكن مؤمناً بنفسه وطيد الثقة بها، فاهماً أن جميع ما في الأرض مخلوق له ومسخر لمنفعته. . .
ولست أدري من منا الذي أوغل في لفائف الصوفية وشرودها أنا أم صديقي زكي؟
إن صوفيتي مادية تؤمن بالعلم وتعترف بدولة الأجسام ولا تشرد وراء الأوهام، فلا تتخيل أن الإنسان العظيم الخصيم المبين الفكر المبتكر مخلوق ليكون طعاماً للبراغيث والبعوض والقمل. . . وإنما تعلم أن هذه الحشرات مخلوقة لحمل الإنسان على تنظيف جسده وثيابه