الدنيا إلا حدود البقعة التي ولدوا فيها أو القطر الذي ينتمون إليه. . . ولم يكونوا يعرفون أن في الأرض محيطات هائلة وقارات مجهولة وعوالم مستورة، وأن الأرض ما هي إلا كرة صغيرة جداً كذرة رمل في صحراء. . . الذين كانوا يبيتون في الظلام والبرد، وأنهارُ النور والنار على بعد ضربة معول منهم في منابع النفط والبترول. . . ويعيشون تحت رحمة غيض الماء وفيضه بدون أن يقيموا سداً أو خزاناً يحفظ الماء ويحفظهم من طغيان الماء. . . والذين كانوا يأكلون الموت ويشربونه في المطاعم والمشارب الملوثة بالجراثيم. . .
أولئك الذين كان كفرهم بالإنسان وعدم إدراكهم لسموه وتفرده بين سائر الأنواع السبب الأكبر فيما نراه يسود حياته من اصطناع أساليب الحيوان الفاتك الضاري المتشهي الغافل الذاهل عما يدور في السماء ويجري في الأرض من العجائب والمعجزات وأفانين الحياة. . .
وما يجر الشر والإثم والسفالة على النفس الإنسانية إلا غفلتها من مقامها الممتاز في الحياة، وإلا أخذها بظاهر الحياة الجسمية الآلية التي تجعلها والحيوان في حظيرة واحدة. وما كان جهاد أنبيائها وحكمائها الذين خطوا بها خطوات واسعة إلى الأمام إلا نتيجة لإدراكهم امتيازها وما فيها من قوى زائدة عما في غيرها من سكان الأرض. . .
وأخلاق العلماء شئ عظيم عميق لأنها أخلاق بنيت على العلم بأعماق النفس الإنسانية. وقد قال سقراط (الفضيلة معرفة، والرذيلة جهل)
والفرق بين أخلاق السادة وأخلاق العبيد هو مبدأ الفلسفة الألمانية الحديثة التي سنها (نيتشه) للألمان فكان إدراكهم معنى السيادة وحديثهم حولها أكبر باعث لهم على نهضتهم الجبارة التي جعلتهم يفهمون في أنفسهم أنهم فوق مستوى سائر الأجناس
وأخلاق الإنجليز المبنية على ثقتهم بأنفسهم وتفردهم من بين سائر البشر بطبيعة ممتازة وروح ممتازة هي التي جعلتهم فوق المستوى الإنساني الحالي في الصبر والاحتمال والثبات وسعة الحيلة والوقار والسكينة في السلم والحرب
فهم يؤدون لهذا الاعتقاد تلك الثقة بالنفس مهرهما من الفعال الكريمة والصبر الجميل والدم العزيز والمال المبذول ولامساكن المترفة