للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على شخصية الأزهر العلمية

قد يكون من الإحراج أن نقصر الإنتاج على إبداء رأي خاص في مشكلة من مشاكل العلم. ولو أننا فعلنا ذلك لكان كل ما نسميه الآن إنتاجاً للأزهر وما عدا الأزهر غير إنتاج؛ أو لكانت كثرته الغالبة على هذا الوصف. ولم لا نعد الإنتاج المدرسي إنتاجا متى كان قائماً على الشخصية والتصويب أو التخطئة لما للعقل فيه مجال، والمناقشة للموروث والتعقيب عليه؟ أليس ذلك هو الاستقلال في التفكير والإعلان للرأي الخاص بعد الدرس والبحث، وإذن ففي الأزهر إنتاج قل أو كثر

هناك فرق بين الإنتاج والقدرة عليه وإن كان أحدهما لازماً لصاحبه وأثراً من آثاره. ومما لاشك فيه أن هذه القدرة على الإنتاج موفورة لدى الكثير من رجال الأزهر وإن لم يظهر الإنتاج الفعلي إلا من قليل منهم

وإذا أنت سألت عن السبب في إحجام الكثير عن الإنتاج فلا يستطيع منصف أن يجيبك إلا بأن فقدان التشجيع والأغراء من ناحية القائمين بالأمر في الأزهر هو السبب الوحيد لذلك. فهم قد رأوا إخواناً لهم حاولوا أن ينتجوا بل أظهروا صوراً من إنتاجهم كان معترفاً بها؛ ولكن أحداً من الرجال الرسميين لم يقل لهم إنكم أحسنتم، ولم يشجعهم بكلمة يدأبون على مثل هذا العمل أو تجعل غيرهم يسير في طريقهم. فخير لهم إذن ألا يسيروا في طريق لا يحمد السائرون فيها

إن الأزهر يطلب من علمائه أن يكونوا منتجين، وأن يعرضوا علمهم لناشئة الجيل الجديد في صور تلائم جيلهم، ولكنه لا يأخذ بأسباب ذلك. فهو مثلاً لا يأخذ بسنة وزارة المعارف فيعلن عن حاجته إلى الكتب اللازمة لتحقيق مناهجه، ويشترط فيها ما يشترط من نظم وتوجيهات، ويجعل ذلك كل عام أو عامين أو أكثر ليكون له من ورائه ثروة طائلة من الإنتاج سواء فيما يقرره من ذلك أو فيما ينشره أصحابه على الناس ليوازنوا بينه وبين ما اختير

إنه لو فعل ذلك لزرع في نفوس علمائه الاستقلال في الفكر والجهر بالرأي والصراحة في الحق - وهي أهم مقومات الإنتاج الصحيح - ولقضى على فكرة اعتقاد عجز العلماء عن مسايرة الحياة الجديدة وعن الخروج عما درسوه من كتب وعبارات

<<  <  ج:
ص:  >  >>