للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أليس من العيب أن يظل الأزهر إلى الآن يقرأ في سنتيه الأولى والثانية الثانويتين كتباً في البلاغة لمعاصرين من غير الأزهريين وفيه مائة من المتخصصين في البلاغة كل واحد منهم قادر على أن يخرج كتاباً مثلها إن لم يكن أفضل منها!

لا تقل أيها القارئ بعد ذلك ما لهم لا يؤلفون، فإن عدم التشجيع كما قدمنا وعدم الإغراء بتقرير الكتاب أو بشراء حق التأليف أو ما إلى ذلك هو الذي صرفهم فكان سبباً مهماً في قلة الإنتاج؛ ولو أن هذا الباب فتح لجاءت كتب كثيرة ولنشرت أبحاث ينبغي أن تحسب في إنتاج الأزهريين كما حسب مثلها لغيرهم

أو ليس من العيب كذلك أن يقرر الأزهر في أقسامه الثانوية كلها كتاب في تاريخ أدب اللغة لفظته وزارة المعارف منذ زمن طويل؛ وفيه كذلك مائة أو يزيدون من المتخصصين في أدب اللغة! وليس ذلك لعجزهم عن إخراج أفضل منه، فقد برهنوا على انتفاء ذلك عنهم، ولكن لاعتبارات أخرى على نحو الاعتبارات التي أشار إليها صديقي الأستاذ المدني في مقاله (السياسة التوجيهية في الأزهر) عدد الرسالة ٣٩٣

ففيم كان يضيع هؤلاء وأمثالهم سني تخصصهم إذا لم يستطع أحدهم أن يؤلف كتاباً يرضي به منهج الدراسة ويعلن به رأيه في هذه الموضوعات الأدبية مثلاً التي لا ينبغي أن يعتقد الإنسان فيها رأي غيره، ولا أن يلقن الطلاب فيها عبارات كتاب بعينه

ذلك عيب واضح يشكو منه الأساتذة والطلاب جميعاً. ونحن إذ ندل عليه نرجو أن يلتفت إليه القائمون بالأمر في الأزهر فيعملوا على تلافيه وإبعاده حتى لا يظل الأزهر كَلاًّ على غيره فيما تخصص فيه أبناؤه وعطلوا أنفسهم سنوات للعناية به ومعرفة مناهج بحثه

ونستطيع أن نقول مثل ذلك في كثير من مواد الدراسة، فأنها تقرأ في كتب لا صلة لها بالعقلية الحاضرة ولا بالأسلوب المألوف. ومن الخير كل الخير أن يعدل عنها إلى ما يوافق ذلك وأن يوسع المجال للمستطيعين وتعطى الفرصة لهم. ولست أقصد بذلك - طبعاً - إلى عيب هذه المواد والتنقيص من قيمة كتبها. ولكني أعتقد أنها جعلت لزمان مضى، فمن الجائز أن يصلح بعضها لزماننا، وأن يتعارض بعضها الآخر معه فلنبق على ما يصلح ولندع ما عداه. فإننا إن لم نفعل ذلك صدق علينا أننا نعيش في عصر غير العصر الذي يعيش فيه الناس

<<  <  ج:
ص:  >  >>