ويسمعون ما يقال، وإن كان فريق منهم يعيش في أبراج من العاج!
لقد آمنت وزارة المعارف بأن من الواجب أن يظفر التلميذ المتوسط بالنجاح في امتحانات النقل والامتحانات النهائية، فأوصت بأن (توضع الأسئلة بحيث تكون الإجابة في متناول الأوساط من التلاميذ)
وهذا فتح جديد، فقد كان مفهوماً أن الامتحان من ضروب التأديب، ليصح القول بأن (من المحنة جاء الامتحان)؟
وماذا تغنم الأمة حين ينجح التلميذ المتوسط؟
يقول المتحذلقون إن نجاح الأوساط من التلاميذ قد يجني على سمعة العقلية المصرية، وهؤلاء المتحذلقون هم مصدر البلاء، وهم عند التحقيق بعيدون كل البعد من السياسة الحكيمة في رياضة العقول، والزمن الغافل هو الذي قضى بأن يكونوا من المرِّبين.
إن النجاح - ولو عن طريق التسامح الرفيق - يقّوي الشخصية المعنوية، ويزيد في عزائم التلاميذ، ويشعرهم بأن الجدّ له جزاء، ولو كان أقل مما يجب أن يتحلى به الطالب الرشيد.
لم يعرف المرّبون في مصر أن نتائج الامتحانات العمومية - تلك النتائج الضعيفة الهزيلة - كانت الشاهد على أنهم حُرِموا نعمة التوفيق في إيقاظ الغوافي من عزائم التلاميذ؛ وكانت البرهان على أن الجاذبية بينهم وبين تلاميذهم قد انقطعت أقبح انقطاع؛ وإلا فكيف جاز أن يقضي التلميذ سنة كاملة بين أيدي أساتذته بدون أن يستفيد، أو بدون أن تعي آذانه نصف ما يسمع، أو بدون أن يتجه قلبه إلى معانيَ جديدة تسوقه سوقاً إلى منازل الفضل والتشريف؟
المرّبون هم علة العلل في فساد هذا الجيل، فهم السبب في ذهاب البشاشة من الحياة المدرسية، وهم الذين حولوا الجوّ المدرسي إلى مجازر نفوس، ومصارع قلوب، بفضل ما وَقر في أذهانهم من أن وزارة المعارف لا تريد إلا أن يكونوا جبابرة مستكبرين.
لا يصلح المدرس لمهنة التدريس إلا حين يشعر التلميذ بأنه أبّر به من أمه وأبيه. أما المدرس الجهم الوجه، الغليظ الكبد، القاسي القلب، فله مكان آخر هو حراسة المساجين. ومن العجيب في مصر ألا تنال المدارس من العناية بعض ما تنال السجون! فالسجون مصدر خير على من يعيشون فيها، لأنها تؤهلهم للحياة؛ أما المدارس فهي تؤهل بعض