لهف نفسي عليك يا معدن الخي ... رات لهفاً يعضني إبهامي
لهف نفسي عليك يا قبة الإس ... لام لهفاً يطول منه غرامي
لهف نفسي عليك يا فرْضة البل ... دان لهفاً يبقى على الأعوام
لهف نفسي لجمعك المتفاني ... لهف نفسي لعزَّك المستضام
بهذه اللهفات المتواليات قد هيأ ابن الرومي قارئه لأن يقرأ وصفه القادم لما حلَّ بالبصرة، وقد امتلأ قلبه بالغيظ والغضب الذي أوحاه إلينا في مطلع قصيدته. ثم يقول:
بينما أهلها بأحسن حال ... إذ رماهم عبيدهم باصطلام
دخلوها كأنهم قطع اللي ... ل إذا راح مدلهم الظلام
أيّ هول رأوا به أي هول ... حقَّ منه يشيب رأس الغلام
إذ رموهم بنارهم من يمين ... وشمال، وخلفهم، وأمام
كم أغصوا من شارب بشراب ... كم أغصّوا من طاعم بطعام
كم ضنين بنفسه رام منجًى ... فتلقوا جبينه بالحسام
كم أخٍ قد رأى أخاه صريعاً ... تَرِب الخد بين صرعي كرام
كم أبٍ قد رأي عزيز بنيه ... وهو يُعلى بصارم صمصام
كم مفّدى في أهله أسلموه ... حين لم يحمه، هنالك، حامي
كم رضيع، هناك، قد فطموه ... بشبا السيف قبل حين الفطام
كم فتاة - بخاتم الله - بكرٍ ... فضحوها جهراً بغير اكتتام
كم فتاة مصونة قد سبوْها ... بارزاً وجهها بغير لثام
من رآهن في المساق سبايا ... داميات الوجوه للأقدام
من رآهن في المقاسم - وسط الزن ... ج - يقسمن بينهم السهام
من رآهن يتَّخَذْن إماَء ... بعد ملْك الأمام والخدام
هذه القطعة من قصيدة ابن الرومي قد رأى فيها القارئ كيف دخل الزنج على البصرة وأهلها على أحسن حال، فكان جيشهم كأنه قطيع الليل. وكيف أخذتهم نار الزنج من خلفهم وأمامهم ومن يمين وشمال. ثم هو يقدم إلينا هذه الصورة الشعرية الرائعة كأنها الرسوم أو التماثيل في قوة تصويرها. فهذا شارب أو طاعم حين هجم عليه الزنج غصَّ بشرابه