أن تكون كما أذكر، من أن تكون فظاً غليظ القلب، وإلا فلك الخيار، ولكن على شرط أن يتوافي لك السلطان قبل كل شيء. . .
وفيم تعجب وعنده أن التحية توجه إلى مقامه ممن هم دونه، إنما هي ضرب من عدم الاحتشام بين يديه، فهي لذلك ضرب من عدم اللياقة، أو هي جرأة تلحق بقلة الأدب عند بعضهم، وما أردت أنت إلا أن تكون مؤدباً. . . ولقد يصور له كبرياؤه وغروره أن ذلك منك تحد لذاته الخطيرة والعياذ بالله، وفي ذلك سر تجهمه وتعاظمه وكريه نظراته وتفسيره تأدبك بأنه قلة أدب.
وكأني بك، أيها القارئ، تضحك مني وتقول في نفسك إنما يصور بما يكتب ما وقع له، وأريد أن أكون صادقاً، فأسلم لك بصحة هذا، ولكن قل لي بربك، ما ذنبي لتضحك مني يا أخي - سامحك الله - وأينا أجدر بضحكاتك، أنا أم ذلك المتعاظم المتكبر؟ ثم اعلم أني لم أغضب ولن أغضب لما يكون بيني وبين هؤلاء المتعاظمين. لم أغضب لأن ما حدث هو ما كنت أتوقعه، بل إني لأضحك إذا أقع من ذلك على مادة لمنظاري، ثم إني لم أغضب لأني أعرف كيف أكيل لهم بنفسي كيلهم متى أردت، فأزيدهم غيظاً وأزداد منهم ضحكاً، ولو علمت الحق لرأيت أني دائماً ألفاهم بالعصيان المدني، وهو سلاحي السلبي الوحيد الذي لا سبيل لي إلى غيره.
جمعني بفريق من هؤلاء مجلس من المجالس، أو قل قادتني الظروف على رغمي إلى هذا المجلس، فما كان لي أن أغشى مجالس أصحاب السلطان مختاراً، فانتحيت ناحية وجلست، وقادت الظروف كذلك بعض أصدقائي ممن هم في مثل سني، وفي مثل مركزي الصغير، فحمدت الله وزال عني القلق، فلقد كنت أحس نفسي غريباً قبل مجيء هؤلاء الذين لا حول لهم ولا سلطان، وانفرجت شفتاي لأول مرة منذ جلست أرد على تحيات هؤلاء الأصدقاء، فما وجه إلى أحد من أصحاب السلطان تحية تنفرج لها الشفاه، فلم تك ثمة إلا إيماءات متكلفة لاذعة قصيرة، أو إشارات باليد آلية لا روح فيها، اللهم خلا رجل منهم تلطف فجاد عليَّ بتحية منادياً إياي باسمي ولكن بعد أن فعل ذلك من هم على شاكلتي من الخلان.
وجلست صامتاً أترقب وأنا أخفي ضحكي مما رأيت على وجوه أصحاب السلطان من معاني الازدراء عند دخول أصحابي، ولقد حياهم هؤلاء السذج في أصوات طلقة، وفي