للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إشارات وانحناءات دمثة جميلة، فما عادوا إلا بإشارات وإيماءات أرستقراطية كانت هي الأخرى جميلة على رغمي وعلى رغم منظاري!

واستأنف أحد أصحاب السلطان ما كانوا فيه من حديث، واحتدم النقاش بين هؤلاء السادة، فهذا يعترض على ذاك، وذلك يرى ما يرى جاره أو لا يرى الصواب في رأيه، وفي وجوه الجميع بشر أو تحمس أو ضحك من دعابة أو نكتة يطرد من هاتيك الوجوه شبح الكهولة أو يستمهل الشيخوخة لحظات.

وبدا لأحد السذج من الرفاق - رفاقي أنا - فحشر نفسه في الحديث يحسب أنه يكلمني أو يكلم أحد أقرانه، فما أسرع ما بدت الدهشة على وجوه الجميع! ثم تغافلوا عنه بأطراقهم، وقطع عليه أحدهم كلامه فساق الحديث إلى رأي جديد، وذهبت كلمات المسكين هباء أو أقل من الهباء.

ثم تكلم شاب آخر لم يتعظ بما جرى لسالفه فكان من أحب المناظر عندي، ولا أقول من أبغضها أن أرى على وجوه أولئك السادة ذلك الاتفاق الذي لم يقصدوا إليه لأنهم اعتادوا كلما تطفل على حديثهم العالي متطفل لم تصل بعد مداركه إليه ولا هيأه مركزه حتى لمجرد الاستماع له، وهو اتفاق على المقاطعة أو الإغفال لأمر المتكلم. وأحسب أنهم لو نظروا ساعتئذ إلى ذلك الساذج الثاني لأخذتهم الشفقة لحمرة الخجل تتوقد في محياه فما تقسو قلوبهم إلى حد أن يعرضوا عنه وهو على تلك الحال.

على أن اثنين منهما رمياه بنظرة ولكن بعد أن خفت في وجهه حمرة الخجل ورأيتهما يزدريانه في صمت، فهو مرؤوسهما في الديوان ولا يجمل أن يجرؤ مثل هذه الجرأة فيناقش رؤساءه. وكم أتمنى لو يتاح لي من البيان ما أصور به ما ارتسم على محياهما الكريمين من اشمئزاز! وكم يؤلمني ألا تسعفني الألفاظ بما أريد!

وأني أحدهم بنكتة تصلح لأن تكون نكتة ولكنه أتى بها لسوء حظه في ضجيج من النقاش فلم يفطن إليها غيري فضحكت بصوت يسمع فالتفت نحوي ضاحكاً مسروراً وصاحب النكتة يبحث دائماً عن الضاحكين من نكتته ويسر إذ يجدهم. . . على أن هذا ما لبث أن قطع ضحكته بغته كأنما أزعجه أن يتبادل وإياي الضحكات ثم تكلف العبوس ونظر إليَّ ولكني لم أقطع ضحكتي فقد كانت هذه الحركة منه أدخل في معنى النكتة من عبارته

<<  <  ج:
ص:  >  >>