- ما هذا. . . هل تعلمت هذا الجموح في بخارست؟ أنت تعرف أنني عذراء. . . أنت مروع؟
وسافرت من كونستنزا إلى مدينة صغيرة على الدانوب، وعدت منها بقطار بوخارست السريع إلى ميناء مباشرة. . . ولم أشأ الذهاب إلى الفندق مخافة أن ألتقي بكاترين فتبقين أياماً أخر.
ولما اقترب موعد السفر صعدت إلى ظهر السفينة ووقفت على الجسر أرقب حركة المسافرين والمودعين وقد علت وجهي تلك الكآبة التي تعلو الراحل من بلاد يحبها. . . بلاد قضى فيها أسعد أيامه وأمتع لياليه. وكانت الشمس قد غربت وبدت تلك الميناء الصغيرة تتلألأ في غبش الغسق؛ وأخذت أستعرض في ذهني الصور الجميلة التي مرت علي في تلك البلاد. . . مناظر سينايا الخلابة. . . وشواطئ الدانوب الساحرة. . . وحسان بخارست. . . وغانيات كارمن سلفيا. . . وفاتنات ممايا. . . وفندق بولونا. . . وفندق الدانوب. . . وكاترينا. . . أجل كاترينا. . .! واتكأت على السور الحديدي وعيني إلى الأفق وكل شيء يمضي سريعاً. . . ولمحت فتاة تهبط المنحدر المشرف على الميناء. وكانت تمضي على عجل وبصرها لا يتحول عن السفينة. . . وفتحت عيني وتبينتها فكانت كاترينا. وقفت لحظة حائرة. . . ثم نقلت بصرها في الركاب. . . ولمحتني فجرت على الرصيف حتى وقفت أمامي وهي تلهث. . . فنظرت إليها مشدوهاً وسألتها:
- ما الذي جاء بك. . .؟ وكيف عرفت أنني سأسافر اليوم. . .؟
- هذا سهل!. . . دعك من هذا الآن. . . كيف حالك. . . شد ما تغيرت ونسيت كاترينا المسكينة لا يذكرها أحد. . .
ولم أستمع لباقي حديثها. . . فقد درت ببصري في الركاب لأحصى عدد الذين جاءت تودعهم كاترينا. . . فلا بد أن يكون منهم من نزل في فندق الدانوب والتقى بها!
ورأت نظراتي، وقرأت ما دار بخلدي. . . فامتقع لونها وغضت طرفاً. . . ثم رفعت رأسها وقالت وقد اختلجت نبرات صوتها:
- شوقي. . . هل تحسب أنني جئت أودعك كلا. . . أنت مروع! إنني جئت أرقب هذه