أقسِّم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قَراح الماء والماء بارد
والسياق الذي أورده الأخفش وغفل عنه السباعي يوهم أن الأبيات الأربعة من شعر ذلك العبسي، والصواب أن العبسي لم يقل غير البيتين الأولين، أما البيتان الأخيران فهما جواب عروة بن الورد، وقد نقل الشيخ المرصفي (ج١ ص١٩٥) أن عبد الملك بن مروان كان يحفظ لعروة الأبيات الأخيرة، وثانيها هذا البيت:
أتهزأ مني أنْ سمنتَ وأن ترى ... بجسمي شحوب الحق والحق جاهدُ
فإن ارتاب الأستاذ السباعي في تصحيح الشيخ المرصفي فليرجع إلى ديوان الحماسة في باب الأضياف والمديح ليرى هذه الأبيات الأخيرة منسوبة إلى عروة بن الورد، والمفهوم أن ديوان الحماسة مما يحفظه الطلبة بمدرسة دار العلوم!
ثم أما بعد، فهذا هو المنهاج الذي سنسلكه في بيان فضل المرصفي على السباعي وعلى جميع من يقرأون الكامل للمبرد، وسنرى فيما بعد غرائب وأعاجيب من غفلة السباعي عن فهم أغراض المبرد، فكيف ترونه يصنع؟ هل يصر على القول بأن المرصفي كان رجلاً مغروراً، وأن من الجريمة أن يدخل كتابه (دار العلوم) ليخلو الجوّ لمن تفوتهم البسائط من الأغلاط؟
لقد أنذرني الأستاذ السباعي، فهل يجيب عن هذه المؤاخذات قبل أن ينفذ ذلك الإنذار الفظيع؟
المهمّ هو أن ينظر أبناء دار العلوم في هذه المؤاخذات الموَّجهة برفق إلى نسخة (تهذيب الكامل) لا إلى الأستاذ السباعي، فما أجرؤ على الهجوم عليه، وهو أديبٌ يراني ويرى أستاذي من المغرورين المجترئين!