للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عن الستين؛ فإذا ما حسبت علمت أن من يعرفون تلك النظرية من خريجي دار العلوم وحدهم، فما بالك بغيرهم، يناهزون الألفين بل يزيدون. ثم اذكر يا صديقي أن هؤلاء الخريجين يدرسون ذلك لتلاميذهم في مختلفات المدارس، وفيهم من درسوها لطلاب دار العلوم وطلاب كلية اللغة العربية؛ ودونوا هذا في مذكراتهم مفصلاً مبسوطاً، قبل أن تدونه أنت في كتابك موسوماً بسمة الاختراع؛ وأنا أحد من فعل ذلك لطلابي في المعهدين المذكورين منذ أن بدأت دراسة الأدب فيها سنة ٣٢ - ٣٣ وكتابك لم يطبع إلا سنة ٣٤؛ وكذلك فعل زميلي وابن دار العلوم الأستاذ محمود مصطفى في كلية اللغة العربية التي لا يزال فيها إلى الآن.

الحق يا صديقي أنك كنت جريئاً إن صح أن يسمى جراءة هذا الادعاء؛ والحق أن الخجل كان قد رفع حينما زهوت بهذا الكشف المزعوم زهو الطاووس، فقلت أنك حين اطلعت عليه المسيو مرسيه بباريس دهش وعجب كيف اتفق الناس مع هذا على أن بديع الزمان هو منشئ فن المقامات، وأنه أتحفك بهذه العبارة بقولها لك من باب الإطراء وهي: (يظهر أنه ضاع علينا من تاريخ الأدب العربي شيء كثير)؛ ثم زدت في الزهو فنسبت إلى الدكتور طه حسين من العجب والدهش مثل ما نسبت إلى المسيو مرسيه، وأنه جال معك في حديث ألهمه إياه نبأ هذا الاختراع، ولم يك باقياً عليك إلا أن تذيع أخبار هذا الكشف على تيارات البرق وموجات الأثير.

والآن، أفما كان الأجدر والأولى بالأستاذ الإسكندري وأمثاله من المحدثين الذين سبقوا إلى هذا الكشف بسنين أن يدعوه لأنفسهم إن كان هناك اختراع؟ ولكن حاشا لهم وهم ممن يحترمون الحقيقة ولا يتغفلون السواد أن بدعوا دعواك. وأما كان لي أن أرميك - إذ رميتني بالسرقة والنهب - أنك أنت الذي افتريت ومني نهبت؟ ولكن حاشا ونحن كأساتذتنا نحترم الحقائق ولا نتغفل السواد، أن نفعل ما فعلت؛ فإنما الأمر مفهوم معروف، وأنت فيه المتأخر المسبوق. والذي لا شك فيه بعد هذا البيان أنك كذبت على القدماء، واغتصبت جهود المحدثين، ثم لم تتسلل لواذاً ولم تخلص نجياً كما يفعل السارقون، ولكن أبيت إلا أن تهلل وتكبر، وتتعالى وتتجبر، ثم تغالي بالزهو بنفسك، واجتذاب الإعجاب بك من غيرك، وإذا بالحق يصرعك وينتقم للأدب والجماهير منك. . . وأني أستحلفك بالله يا صديقي

<<  <  ج:
ص:  >  >>