ذلك الكنز: كنز توت عنخ آمون قد أصبح فارس ميدان أو فارس الميدان، وإذن فليجل ويصل وليمش في الأرض مرحاً حتى يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولاً؛ ثم ليستمع الناس له مرغمين ساكتين وهو يقول بعد القول الذي فندناه:(ولم أجد فيمن عرفت من رجال النقد من ارتاب في سبق بديع الزمان إلى هذا الفن، وإنما رأيت من يعلل سبقه بنزعته الفارسية) جاهلاً أن رجال النقد يأبون عليه ذلك إن كان قد عرفهم؛ فإن تلك النظرية التي يزعم كشفها بيده وتقديمها للأدباء مخترعة ببحثه، معروفة للأدباء الحديثين، ومدروسة منهم للمتأدبين. وها نحن أولاء أبناء دار العلوم فتحنا عيوننا أول ما درسنا الأدب بتلك الدار على هذه النظرية المزعوم كشفها وتلقيناها على أيدي أساتذتها في العُشر الأول من هذا القرن الذي أوشك أن ينتصف، أي منذ أربعين من السنوات.
هذه هي الحقيقة ناصعة، ولكن ليس لي أن أتركها من غير دليل أقدمه لصديقي الدكتور، بعد الذي قدمه عن نفسه من أنه لا ثقة للناس في اطلاعه ولا علم لهم باتساع أفقه، وإذن فليتلق هذا الدليل من إحدى مذكرات المرحوم الشيخ أحمد الإسكندري، فقد كان يدرس تلك النظرية لطلبة دار العلوم قبل أن يكون الدكتور شيئاً. قال رحمه الله في الصفحة ٣١٠ من مذكرة مطبوعة في الأدب العباسي لطلاب السنة المكتبية ١٩٢٩ - ١٩٣٠ طبعة أخيرة، وهو يتكلم على المقامات في ترجمة البديع ما نصه:(وكان ممن أعجبته هذه الطريقة - يعني طريقة المقامات - ابن دريد، فأراد أن يلقن نابتة زمانه اللغة والأدب في هذا النوع من الكلام. قال أبو إسحاق الحصري في كتابه (زهر الآداب): وقد ذكر أبا الفضل الهمذاني بديع الزمان - وهذا اسم وافق مسماه، ولفظ طابق معناه، كلام غض المكاسر، أنيق الجواهر) إلى آخر هذا النص الذي ادعى كشفه الدكتور ثم نقله في نثره معجباً به أيما إعجاب.
أصدقت إذن يا صديقي أنك كنت في قولك:(ولم أجد فيمن عرفت من رجال النقد من ارتاب في سبق بديع الزمان إلى هذا الفن) أجرأ منك في قولك السابق: (وكان المعروف أن بديع الزمان هو أول من أنشأ المقامات)
صدق صدق يا دكتور ثم أخل إلى نفسك واحسب عدد من درسوا في دار العلوم على هذا العالم الجليل حقبة تقرب من ثلث القرن؛ وما كان متوسط عدد كل فرقة على سنيه ينقص