صار محمد من أعوان قاضي قرطبة محمد بن السليم، ثم تقلب في القضاء، وجعل وكيلاً لعبد الرحمن ابن الخليفة المستنصر وأمه. ولما مات عبد الرحمن، جعل وكيلاً لأخيه هشام، ورتب له خمسة عشر ديناراً كل شهر
وعرف الخليفة قدر الرجل، فكان يندبه فيما يعضل من الأمور، ثم ولاه الشرطة الوسطى. ولم يأل ابن أبي عامر جهداً في التقرب من هشام وأمه صبح، وكانت ذات مكانة عند الخليفة
وعهد الخليفة إلى ابنه هشام فحرص أبن أبي عامر على أن يحتفظ لهشام بولاية العهد، ثم الخلافة بعد أبيه، على كثرة ما أجتهد الصقالبة في تولية المغيرة بن عبد الرحمن الناصر عم هشام
وتولى قيادة الجيش إلى غزوة نكص عنها كبراء الدولة، ورجع منها مظفرا فزاد هيبة ومكانة. ثم ولي شرطة قرطبة فسيطرت على المدينة هيبته وعدله. فأمن الأخيار وسكن الأشرار
يقول صاحب البيان المغرب:
(فضبط محمد المدينة ضبطاً أنسى أهل الحضرة من سلف من أفراد الكفاة وأولي السياسة، وقد كانوا قبله في بلاء عظيم يتحارسون الليل كله، ويكابدون من روعات طراقه ما لا يكابد أهل الثغور من العدو. فكشف الله عنهم بمحمد أبن أبي عامر وكفايته وتنزهه؛ فسد باب الشفاعات، وقمع أهل الفسق والدعارات، حتى أرتفع البأس وأمن الناس. وأمنت عادية المتجرمين من رجال السلطان حتى لقد عثر على ابن له فاستحضره في مجلس الشرطة وجله جلداً مبرحاً كان فيه حمامه. فانقطع الشر جملة)
ولما رجع من غزاته الثالثة ظافراً رفعه الخليفة إلى الوزارة وجعل راتبه ثمانين ديناراً وهو راتب الحجابة، ثم شارك أبا جعفر الحاجب ثم أستبد بالحجابة عام سبعة وستين وثلاثمائة؛ فقد بلغ أرفع مناصب الدولة
- ٤ -
سيطر أبن أبي عامر سبعة وعشرين عاماً على الأندلس كلها فصرف أمورها في الحرب