لن تقووا عليهم، ولن تصبروا صبرهم، ولا بد من الثالثة (وهي دفع الجزية)
أصحاب المقوقس: فنكون لهم عبيداً أبداً؟
المقوقس: نعم تكونون عبيداً مسلطين في بلادكم آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خيراً لكم من أن تموتوا عن أخركم
أصحاب المقوقس: فالموت أهون علينا
وبهذا انقطع الأمل في الصلح، ودارت الحرب فاقتحم المسلمون الحصن، وانتهت الأمور إلى الخصلة الثالثة بعد أن أدى المصريون واجبهم في الدفاع عن بلادهم دفاعاً سلم من الخضوع لتخاذل المقوقس، وإن انتهى بالتسليم بعد احتدام نار القتال، والهزيمة في الحرب لا تغض من أقدار المحاربين، فالغالب والمغلوب في شرف الرجولة سواء
قد يعترض معترض فيقول: وهل تظن يوم الحصن خلا من مفاوضات بين عمرو بن العاص والمقوقس حتى تحكم بأن ما دون من ذلك لم يكن إلا بدعا حبره أديب مجهول؟
وأجيب بأني واثق بأن المفاوضات دارت بين الفريقين، وإنما ارتاب في صحة الوثائق التي صورت بها تلك المفاوضات؛ لأنها أصغر مما يجب أن تكون، ولأنها أنطقت المقوقس وأصحابه بألفاظ صنعها كاتب فنان
ثم ماذا؟ ثم أهجم على خطاب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب في وصف مصر الخطاب الذي يقول:(مصر قرية غبراء وشجرة خضراء، طولها شهر، وعرضها عشر يخط وسطها نيل مبارك الغدوات، ميمون الروحات) والذي يقول: (فبينما مصر يا أمير المؤمنين، لؤلؤة بيضاء، إذا هي عنبرة سوداء، فإذا هي زمردة خضراء، فإذا هي ديباجة رقشاء، فتبارك الله الخالق لما يشاء)
أهجم على هذا الخطاب فأحكم بأنه موضوع لأني أستبعد صدوره عن عمر بن العاص، لأني أراه عبث عابث، لا كلام رجل مسئول
أما بعد فقد كان أسلافنا يقولون في ختام كل بحث:(والله أعلم) فأنا أختم هذا البحث بعبارة (والله أعلم) تأدباً بأدب السلف وفراراً من وصمة الرجم بالغيب
كتب الله لنا النجاة من الخطأ وهدانا إلى الصواب، إنه قريب مجيب