للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رسل المقوقس، وإلا فكيف يمكن الحكم بأن هذا الكلام وقع بألفاظه ومعانيه، وما كان رسل المقوقس يتكلمون العربية، ولا كان الغزاة بقادرين على تسمع ما دار في مجلس المقوقس من وصف للعرب بتلك الأوصاف؟

والظاهر أن الأديب المجهول كان حريصاً على تأكيد هذه المعاني، فلم يكتف بإجرائها على ألسنة رسل المقوقس، وإنما أجراها بصورة أروع على لسان عبادة بن الصامت، إذ تصوره يقول وهو يحاور المقوقس:

(أنا قد وليت وأدبر شبابي، وأني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعاً، وكذلك أصحابي، وذلك إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في الله واتباع رضوانه، وليس غزونا عدوا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا ولا حاجة للاستكثار منها، إلا أن الله عز وجل قد أحل ذلك لنا، وجعل ما غنمنا من ذلك حلالاً، وما يبالي أحدنا أكان له قناطير من ذهب أم كان لا يملك إلا درهماً، لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يسد بها جوعته ليلته ونهاره، وشملة يلتحفها، وإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله تعالى وأقتصر على ما يبلغه، لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم، ورخاءها ليس برخاء، إنما النعيم والرخاء في الآخرة، بذلك أمرنا الله وأمرنا به نبيه، وعهد إلينا أن لا تكون همة أحدنا في الدنيا إلا ما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همته وشغله في رضاء ربه وجهاد عدوه)

ثم ترفق الأديب المجهول فأدار الحوار بأسلوب رشيق يجد القارئ تفاصيله في الجزء الأول من (النجوم الزاهرة) ويرى فيه ملامح من الحجاج الذي دار بين كسرى وأشياخ العرب يوم صاولهم وصاولوه في الصورة التي زخرفها أديب آخر مجهول

ومن الطريف أن نرى المقوقس يزين لأصحابه الصلح مع العرب بطريقة تشبه ما يسمى في هذا العصر (حجة دعاة التردد والهزيمة) فنفهم أن ذلك الأديب كان من أئمة الابتداع

المقوقس لأصحابه: أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة واحدة من هذه الثلاث أفوالله مالكم بهم طاقة، ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين

أصحاب المقوقس: وأي خصلة نجيبهم إليها

المقوقس: إذن أخبركم، أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به، وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم

<<  <  ج:
ص:  >  >>