إلى النظام المطلق الشامل، وقد ألفوا الفوضى، ويأخذهم بالتشريع المحكم المفصل، وقد عاشوا في كفالة الأهواء والشهوات، ويتعبدهم بأنواع من العبادات فيها سمو وفيها تهذيب، وهم الذين كانوا في مراتع الغي يسيمون!
ذلك هو المعروف المذكور من أثر الهجرة في التشريع الإسلامي: أما موطن العبرة فيه، وناحية الإرشاد والدلالة منه، فهي أنه يحسن بنا، ونحن بصدد الدعوة إلى أن يكون التشريع الإسلامي أساساً للقانون العام في مصر والشرق، أن نطبق هذه السياسة الرشيدة التي ساس لها القرآن أمر المسلمين الأولين، لنضمن نجاح هذا المسعى الشريف، وليعود ذلك على الإسلام بالعزة والقوة!
إن أهم ما يعترض هذا المسعى، ويقف في سبيل تنفيذ هذه الفكرة ما يتخيله كثير من الذين بيدهم الحول والطول، وتحت إشرافهم مراكز المال والاقتصاد، وفي عهدتهم حراسة الأمن والطمأنينة في الدولة، وبث أسباب الرغد والرفاهية في الأمة من أن في الأخذ بالشريعة الإسلامية الآن إعناتاً للناس وإرهاقاً، وشلاً لحركات التعامل التي أصبحت جزءاً من النظم العامة في العالم كله، وتنفيراً للأجانب من الإقامة بيننا، ونحن أحوج ما نكون إلى التعاون معهم، والانتفاع بنشاطهم، وما يديرون بيننا من أموالهم!
يقول هؤلاء للذين يطالبون بالتشريع الإسلامي: ماذا تصنعون في هذه المصارف التي انبثت في صميم الحياة المالية، وأصبحت في سائر الدول أساساً من أسس الاقتصاد ولا يستغني عنه تاجر، ولا زارع، ولا موظف، ولا صاحب مال؟ وماذا تصنعون في هذه الشركات التي فتح الله بها للصناع أبواباً من الرزق، وجعل منها للأموال الراكدة حظاً من الربح، وسد بها حاجة بعد حاجة مما لا يستغني عنه الناس؟ لاشك أنكم ستضطرون إذا بسطتم سلطان الشريعة الإسلامية إلى إغلاق هذه المصارف، وفظ هذه الشركات، التي تتصرف تصرفاً لا يتفق وأراء الفقهاء، فإذا لم تغلقوا المصارف ولم تفضوا الشركات، أرهقتموها بالشروط والنظم التي توافق شريعتكم إرهاقاً لا تستطيع معه الحياة، ولا أداء ما تؤديه إلى الناس من خدمات!
ثم كيف تنفذون الحدود؟ كيف ترجمون الزاني، وتقطعون السارق، وتقتصون من عين بعين، ومن سن بسن؟ بينما العالم ناظر إليكم، متعجب من هذه العقوبات الصارمة تنزلونها