على الجناة بلا رحمة ولا شفقة في الوقت الذي اتجهت فيه أنظار المصلحين إلى مداواة الإجرام، بإصلاح نفوس المجرمين، وإلى اقتلاع أسباب الشر، بتهذيب الأشرار في غير عنف ولا تغليظ؟
ومتى نصبر على سياط الجلاد أجسام غذيت بالنعيم، ونشئت على الرفاهية وعاشت في عصر الطب والكهرباء والمدافيء والمراوح بين مروج الحدائق، ومتاع القصور؟
ومتى يعيش معكم أجنبي إن لم تنفذوا الحد فيه نفذتموه في صديق له أو جار أو عميل، فإذا هو يلقاه بيد مبتورة، أو عين مفقوءة، أو سن كسير؟
هكذا يقوا الذين يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم! وهم من غير شك مخطئون، لأن الشريعة الإسلامية تستطيع أن تنظم أحوال المصارف والشركات بما لا يتنافى مع قواعدها، ولا يرهق القائمين بها، ولا المتعاملين فيها
وهم مخطئون فيما تخيلوه من أمر الحدود والقصاص، فإن هذه الأشياء التي اعترضوا بها هي الوسيلة إلى اقتلاع الإجرام من أساسه، واجتثاث الفساد من أصوله، وتوفير الجهود العظيمة التي تذهب سدى في مكافحة الإجرام والمجرمين!
وهم مخطئون لأنهم حين يظهرون بهذا المظهر الذي يفيض رحمة وشفقة بالمجرمين وأهل الفساد، ويتناسون إجرامهم وفسادهم وما أساءوا به إلى الآمنين!
وهم مخطئون لأنهم حين يذكرون اتجاه المدنية الحديثة إلى تهذيب الجناة وإصلاح نفوسهم بالرفق واللين، ينسون اتجاه بعض الأمم إلى إعدام المجرمين، وأصحاب الشذوذ، والمصابين بالإمراض التي لا يرجى لها شفاء، رفقاً بالأمة في مجموعها وصيانة لها كما يصان الجسم ببتر بعض أعضائه الفاسدة التي لا يرجى لها صلاح!
هم مخطئون لهذا كله، ولكنهم لا يقتنعون بخطئهم، ولا يرجعون عن غيهم، ومن العبث أن ننفق الوقت والجهود في سبيل إقناعهم وما هم بمقنعين، ونحن لا نستطيع أن نمضي في طريقنا، ونغض النظر عنهم، لأن هؤلاء - كما قدمنا - لهم أثر لا ينكر في توجيه سياسة البلاد، ولهم قوة وسلطان يستطيعون بهما إقامة العراقيل، ووضع العقبات في سبيل كل مشروع لا يرضون عنه، ولا يقتنعون به
فما هي الحيلة التي ينبغي أن نتوسل بها إذن إلى تنفيذ هذه الفكرة الجليلة، فكرة إحلال