للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التشريع الإسلامي محل التشريعات الوضعية؟

إن أثر الهجرة في التشريع الإسلامي يوحي إلينا بهذه الحيلة، ويرشدنا إلى هذه الوسيلة، فما دام الله القادر العليم الحكيم قد أرتضى للمسلمين أن يعيشوا حيناً من الدهر موقناً بدون تشريع تفصيلي شامل، لأن المصلحة كانت يومئذ تبرر ذلك، وما دام هذا لم يؤثر في اطراد تقدم المسلمين ونجاح دعوتهم، فيحسن بنا أيضاً وقد عاد الدين غريباً كما بدأ، أن ننادي بتنفيذ ما ليس بيننا وبين أحد خلاف عليه ونؤجل تنفيذ ما فيه الخلاف، حتى إذا اقتنع الناس فيما بعد بما لم يقتنعوا به اليوم مضينا في تنفيذه أيضاً، وإلا صبرنا حتى نهيئ لذلك العقول والأفكار

ينبغي أن نقول لهؤلاء الذين يحاجوننا عن دعوتنا: سنترك لكم المصارف والشركات تسير على النظام الذي شرعتم لها حتى نستطيع إقناعكم بنظام أفضل منه يتمشى مع التشريع الإسلامي وينهض بحاجات الأمة، وسنترك تنفيذ هذه العقوبات التي ترونها صارمة منافية للرحمة حتى نقنعكم يوماً بخطأ فكرتكم، وفساد تخيلكم، وسننفذ ما نحن وأنتم عليه متفقون؛ فقد رضى الله مثل ذلك للمسلمين من قبل. فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ولنتعاون جميعاً على جعل التشريع الإسلامي أساساً لما نشرع بعد اليوم من قانون أو نضع من نظام!

إن الشريعة الإسلامية لا تأبى مثل ذلك، وقد أوقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه تنفيذ القطع في عام المجاعة، وأخذ بذلك أحمد بن حنبل والأوزاعي. وقد روى في سنن أبى داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزو. وروى صاحب أعلام الموقعين أن عمر رضى الله عنه كتب إلى الناس: (أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجل من المسلمين حداً وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلاً لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار)

وفي كل هذا توسيع على المسلمين وإرشاد لهم إلى رعاية المصالح وتقرير الظروف والأحوال؛ ولا شك أن من مصلحة الإسلام الآن أن نأخذ في تشريعنا الحاضر بما نستطيع أن ننفذه من أحكامه، على أن نوقف ما لا يمكن تنفيذه حتى يهيئ الله للمسلمين من أمرهم رشداً

هذه فكرتي، ولعلي أكون قد جليتها وأوضحتها حتى لا أثير بها ثائرة الذين يحرفون الكلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>