الساعة - كل المعاني التي قامت عليها بطولته، فهاجمهم هجوم المستأسد، من اليمين ومن الشمال، حتى تساقط رجاله، ونفق جواده من تحته، فنزل عنه يترنح من الجراح، ثم يحاول النهوض، فتكاثروا من حوله رجالا وركبانا
واهتزت الأسلاك البرقية في جوف الصحراء، ومن فوق أعلام الشواطئ: أن البطل أمسى أسيراً، فسالت الأودية بالكتائب والفصائل، واجترأت السرايا والأجناد، وكانت من قبل تتحاماه وتخشاه
وجاء طراد حربي فنقله إلى بني غازي، وتقررت محاكمته في مركز الإدارة الفاشستية
وإنها لمحاكمة أبانت عن نقائب وصفات في عمر، ما سمعنا بمثلها من قبل في الموقف الضنك والساعات الفاصلة
وقف عمر أمام الحكام العسكريين كما قال فيه شوقي:
لبى قضاء الأرض أمس بمهجة ... لم تخش إلا للسماء قضاَء
وافاه مرفوع الجبين كأنه ... سقراط جر إلى الفضاء رداء
سئل عمر: هل أنت رئيس الثوار ضد إيطاليا؟
فأجاب بنبرات قوية وفي حزم قاطع: نعم!
سئل: هل شهرت السلاح واشتركت في القتال، وأمرت بقتل الجنود، وجبيت الضرائب؟ فأجاب على كل ذلك بنعم!
سئل: هل لديك ما تقوله بعد ذلك؟ وكأنما أرادوا أن ينتزعوا من عمر - في البرهة الذاهلة - ضراعة أو استعطافاً، ولكن هيهات هيهات، فقد أجاب:
ليس لدي شيء وراء ذلك:
الأسد تزأر في الحديد ولن ترى ... في السجن ضرغاماً بكى أستخذاَء
واختلى الحكام العسكريون ثم أعلنوا حكم (الإعدام)
ولم يستطع محاكمو (عمر) إلا أن يصرحوا وقت المحاكمة بقولهم: إن المتهم يمتاز عن بقية الزعماء بأنه لم يبتز أموال الدولة
شهادة بأفواههم تسجل عليهم عار الحكم، وتخلد للشهيد النزاهة والعفة في جهاده المتصل العنيف!!