الدماء، فكانت شروط عمر، قطعة من عقله، كلها سياسة رشيدة، وكلها من العزة والكرامة والسداد
فأولها: أن يشهد المفاوضات مندوب من (مصر) ومندوب من (تونس) ليكون الناكث مسئولاً أمام العالم بشهادة مندوبي الأمتين.
وثانيها: حرية المسلمين الدينية، وتأديبهم لكل خارج على الدين أو هازئ به أو مستخف بتعاليمه أو متهاون في شعائره
وثالثها: أن تكون اللغة العربية لغة رسمية للبلاد، كالطليانية سواء بسواء
ورابعها: أن تنشأ مدارس يعلم فيها التوحيد والتفسير والحديث والفقه وعلوم الدين
وخامسها: أن يلغى قانون سنة ١٩٢٣ م الذي يحرم على الوطنيين دخول المدارس العالية، كما يلغى القانون الذي ميز حقوق الطليان عن حقوق المواطنين، وأن ترجع الحكومة ما غصبته من الأملاك والأموال
عرف الطليان من تلك الشروط أن الأيام والأحداث لم تنل من شدة الشكيمة العمرية، فأظهروا له وفاء بشروطه، وأضمروا لها الغدر والخيانة. ثم راحوا يدبرون للمجاهدين الحصار والإجاعة؛ وفكروا أن يذروا عليه الصحراء من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها بالإجاعة.
وقد أختار عمر المبيت على الطوى، وأن يسلم له الشرف الرفيع؛ كما وصفه شوقي:
خُيرتَ فاخترت المبيتَ على الطوى ... لم تبن جاهاً أو تلم ثراَء
إن البطولة أن تموت من الظما=ليس البطولة أن تعب الماء
وهكذا بقيت البطولة العمرية تبعث اليأس في نفوس الطليان منها، حتى أصيبت في مأمنها! يوم سلمت (جغبوب) للطليان، فحصروا - بالأسلاك الشائكة - الرقعة التي يأوي إليها المجاهدون، وحموهم أن يتصلوا بالحدود المصرية، حتى لا يجدوا قوتاً، وحتى تنقطع بهم الأسباب
وبينما (عمر) يتنقل - بين الغداة والأصيل يوم الجمعة الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة١٣٥٠ هـ - يستطلع كمينا، أو يناوش شرذمة، وهو في خمسين فارساً من رجاله، إذ التقى بطائفتين من الطليان، كانتا تجدان في قص أثره، فأحدقوا به، وثارت في نفسه - تلك