وسجادهم الشهيرة بحيث إذا جلسوا عليها للطرب والشراب خيل إليهم انهم في روضة معطرة من رياض الربيع. وان من يطالع الأدب الفارسي جملة يجده عبقا بعبير الورد والزنبق والبنفسج والياسمين وغيرها من فنون الرياحين، أما العرب فربيع بلادهم هو حياتها على الحقيقة دون المجاز، فإذا اقبل عرفوه بتألق البرق وجلجلة الرعد، بالغيوث الهاطلة والأودية السائلة، فإذا كان ذلك اخضرت المراعي واعشوشبت الوهاد والنجاد، ونعم بآثار ذلك كله الإنسان والحيوان. وكان ملوك بني أمية جريا على مقتضى غريزتهم البدوية إذا اقبل الربيع برزوا إلى بادية الشام فقضوا شهوره في قصور اتخذوها لذلك خاصة. ولا تزال آثار تلك القصور ماثلة إلى اليوم. فلما اختلط العرب بالفرس اخذوا عنهم عادة الاحتفال بالنيروز الفارسي. فكان عمال بني أمية على المشرق إذا اقبل النيروز جلسوا للناس جلوسا رسميا عاما يتقبلون فيه تهانئهم به وهداياهم. ولما قامت الدولة العباسية اصبح النيروز من أعياد الدولة الرسمية، وصار له شأن أي شان، بل لقد اشتقوا منه عيدا رسميا خاصا بالخلفاء وأسموه (نيروز الخليفة) يقول البيروني (انه كان يقع فيه ببغداد من رش الماء وحثو التراب والملاعب ما هو مشهور) وهذا من قبيل النوروز القبطي، الذي يتحدث عنه المقريزي في خططه، ومن قبيل ما يفعل في أعياد المرافع المشهورة في بعض بلدان أوربا لعهدنا هذا والمعروفة (بالكرنفال).
وقد افتن شعراء العرب في وصف الربيع ولنيروز وآتوا في ذلك بالبديع المطرب من الشعر , ولا يزال ما قاله الطائيان في هذا الصدد هو المقدم والمحتذى سواء اكان ذلك من الناحية الفلسفية التي ينتحيها أبو تمام أم من الناحية الفنية التي ينتحيها البحتري.
قال أبو تمام يصف الربيع من قصيدة يمدح بها الخليفة المعتصم بالله العباسي: -
أربيعنا في تسع عشر حجة ... حقا لهنك للربيع الأزهر
ما كانت الأيام تسلب بهجة ... لو أن حسن الروض كان يعمر
أو ما ترى الأشياء إن هي غيرت ... سمجت وحسن الأرض حين تغير
يا صاحبي تقصيا نظريكما ... تريا وجوه الأرض كيف تصور
تريا نهارا مشمسا قد شابه ... زهر الربى فكأنما هو مقمر
دنيا معاش للورى حتى إذا ... حل الربيع فإنما هي منظر