لقَدْ كان للدِّينِ ما هَزَّهُ ... فأَصْبَحِ لِلْمُلْكِ حين أغْتَرَبْ
مَضَوا يَزدَهِي الفوْزُ أفراخَهُمْ ... وَيُغْرِي بُزَاتَهُمُ الْمَأْرَبُ
غِلاَظٌ، سَرَابيلُهُمْ مِنْ حَدِيدٍ ... مِنَ الصَّخْرِ أكبادُهُم أَصْلَبُ
يُحَدِّثُ كلاًّ هَوَاه بما ... يُجَنْدِلُ في القُدْسِ أو يَسْلبُ
وَيَسْتَهْزِؤُونَ بدُنيا الْهِلاَلِ ... وَحَشْدُهُمُو بالْمُنَى يَصْخَبُ
فما إنْ نَجَا قَط مِنْ بَطْشِهمْ ... صَبِيٌ ولا طِفلَةٌ لاَعِبَهْ
وَلاَ مُقْعَدٌ قَوَّسَتْهُ السُنونَ ... وَلاَ جَدَّةٌ شَمْسُها غارِبَةْ
وَلاَ سَلِمَتْ من بناتِ الحِجَالِ ... عروسٌ مُلَّفَقٌة هَائِبَةْ
لدَى مَدْرَج السَّمْح عِيسَى الَمسِيح ... أثارَ دُعاةُ السلامِ القِتالا!
مُسُوحُ الرَّهابينَ باتَتْ حديداً ... وَأَلسِنَةُ الزاهدينَ نِصالا
وَعُدَّ هُدّى كلُّ غَيّ جَسورٍ ... وأصبحَ كلُّ حَرام حَلالا
وطالَتْ عَلَى الشرْقِ سودُ السِّنين ... أَذَلَّ الصَّليبُ بِهِنَّ الهِلالا
أقاموا على الْبَغْيِ بُنْيَانَهُمْ ... وعاشوا على البغيِ دهْراً طويلا
وَغُمَّ عَلَى الشرقِ تِسعينَ عاماً ... فَمَا يَلْمَحُ النورَ إلاْ ضَئِيلا
يَسيلُ عَلَى الأُفْقِ جُرْحُ الِهلال ... إذا ما أطَلَّ، سَقيِماً هَزِيلا
وتَسمعُ مِصْرُ وَمَنْ بالحجازِ ... وَمَنْ بالعراقِ الأذَان عَوِيلا
وما زال يَبْطِشُ طُغْيَانُهُمْ ... إلى أن تَألَّقَ فجرُ الأملْ
وَهَلَّ من الشرقِ مثلَ الصباحِ ... زعيمٌ ترَدَّى ثِيابَ البَطَلْ
تُجدِّدُ وَثْبَاتُهُ أبنَ الوَليدِ ... وَسَعْداً وعَمْراً بنيه الأوَلْ
إذا سارَ فالنصرُ من يُمْنِهِ ... فتّى لا يرَى العيْشَ إلا كِفاحا
فتًى ذِكرُهُ هَزَّ شم الْحُصونِ ... ويغزو اسمُهُ إذ يَهُزُّ السَّلاحا
صلاَحٌ ومن كابن أيوبَ سيفاً ... إذا ذكرَ الدَّارِعونَ صَلاحا!
وَمَنْ مِثلُهُ حينَ يُعْطِي العُهُودَ ... وَيَرَعى الحُدودَ وَيأسو الجراحا
مشى نحوَ (حِطَّينَ) في فَيْلَقٍ ... يَرِفُّ له النصرُ حوْلَ العَلمْ
يَدِينُ لأِرْوَعَ ثْبَتِ الجنانِ ... جَمِيِلِ الفَعالِ كريمِ الشِّيَمُ