سقاهُ وناولهُ رُقعةً ... تَنَزَّي وَغَمْغَمَ لمَّا تلاهَا!
تمنى لهُ البُرَْء في طيِّهَا ... صلاحٌ لِتَدْرِى الوَغَى من فَتاها:
(إذا رُمْتَ سِلماً مَنَنتُ بها ... وإن رُمْتَ حَرْباً أَدَرْتُ رَحاها
وأَعْزِزْ بِنَفْسٍ كَنَفْسِكَ أن ... يكونَ بِغَيْرِ الحُسامِ رداها)
وَأَكْبَرَ (ريكرْدُ) هذا العَدُوَّ ... فأثنَى وأطنبَ في حَمْدِهِ
وكم أخجلت لدى ذِكْرِها ... شمائلهُ الغُر في جُنْدِهِ
أخو البيدِ أسمَى فروسيَّةً ... فأَنَّى لهُ ذاكَ في بِيدِهِ؟
أَتَتْ بَابَهُ من بَنَاتِ الفِرِنْجِ ... تُوَلْوِلُ أُمٌّ، وَتَدْعُو بهِ
قَدْ اختَطَفَ ابناً لها فارِسٌ ... وَيَا هَوْلَ ما كان من غَصْبِهِ
بكى رَحْمَةً وَهْوَ ذاك الذي ... إلى اللْيثِ يُنْسَبُ في وَثْبِه
وَأَجْزَلَ لِلْجُنْدِ من مالِهِ ... فِدَى للصَّبيِّ، فَجيَء بهِ
وَمَالَ إلى السِّلمِ قَلْبُ الأَسَدْ ... وَلَبَّى صلاحٌ فأمضَى العُهُودا
وَلَكِنَّهُ رِيعَ أَنْ جَاَءهُ ... من الْخَصْمِ خُلْفٌ أثارَ الْجُنودا
لقد فتَكَ القَوْمُ بالأبرِياء ... وما إن رعَوا لِعُهُودٍ وُجُودا
سقَتْ أَرْضَ عَكّا دِمَاءٌ حَراٌ ... وَطافَ الفِرِنْجُ بها باطشينا
فوارِسُهُمْ يَذبحونَ النِّسَاَء ... وَزُغْبٌ البناتِ بها وَالبنينا
وَكم ذَكَرُوا الشرق سُلطَانَهُ ... وَصَفْوَةَ فُرْسَانِهِ هازئينا
أَهَابَ صلاحٌ بفُرْسانِهِ ... فَسَلّوا سُيوفَهُمو صائحينا
لدى غابِ أَرْسُوفَ سَوَّى الرجالَ ... صُفُوفاً تَلاَحَق تحتَ العَلَمْ
مِنَ الغِيِل أَصْحَرَ أجنادُهُ ... وَجَرَّ الحدِيدَ أسُودَ الأَجَمْ
ونَادَى المنَادُون فيهم هَلُمُّوا ... تراءى العَدُوُّ لنا من أُمَمْ
هُنَا الشرْقُ جُنْدُ الهلالِ، هنا ... بنو الشَّمْسِ والبِيدِ شُمُّ القَنَا
دماءُهُموكم كَوَنْهَا الصَّحَارى ... وأعْظِمْ بِصَحْرَائِهم مَوْطِنا
خِفَافُ الهياكِلِ ضُمْرُ الْجِيَادِ ... إذا زَحَفُوا قلتَ وَمْضُ السَّنَى!
تَنَادَوْا على نقَرَات الطَّبولِ ... فداعٍ هناك وشادٍ هنا