عقب الثانية مباشرة لدليلا على أن ما كانوا يسلكونه حيال البنات من وأدهن وإمساكهن على هون كان مترتبا على نسبتهم الإناث إلى الله تعالى، فبدون هذا التفسير يكون المعنى الذي تقرره الآية الثالثة مجرد استطراد لا تربطه بالحقائق التي تقررها الآيات السابقة أية رابطة منطقية وهذا ينبغي أن ننزه كلام الله عنه
٢ - (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا، فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا (أي لآلهتهم) فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله فهو لا يصل إلى شركائهم (عن طريق تقديمه قرباناً مثلاً)، ساء ما يحكمون. وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم، ولو شاء الله ما فعلوه، فذرهم وما يفترون. قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله، قد ضلوا وما كانوا مهتدين) (سورة الأنعام ١٣٦ - ١٤٠)
فالآية الأولى تقرر ما كانوا يعتقدونه بصدد ما ينتج من الحرث والأنعام وقسمتهم هذا النتاج بين آلهتهم وبين الله تعالى على النحو الذي شرحناه. والآية الثانية تقرر أن قتلهم أولادهم كان مبنيا على نفس الأساس الديني الذي بني عليه تقسيمهم السابق، كما يستفاد ذلك من عطف هذه الآية على ما قبلها، ومن تصديرها بقوله (وكذلك) ومن نسبة تزيين هذا الفعل إلى الشركاء (وكذل زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم)، ومن قوله (ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم).
ويستفاد من الآية الثالثة أن الذين كانوا يقتلون أولادهم على هذه الطريقة هم الذين كانوا يحرمون بعض منتجات الحرث والأنعام، وأن الباعث لهم على الأمرين عقيدة واحدة، والمقصود من الأولاد في هذه الآيات البنات وحدهن، كما أشار إلى ذلك كثير من المفسرين وكما يدل عليه السياق
٣ - (وجعلوا له من عباده جزءا (وهو الإناث) إن الإنسان لكفور مبين. أم أتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين. وإذا بشر أحدهم بما ضرب الرحمن مثلاً (أي بالجنس الذي نسبه لله) ظل وجهه مسودا وهو كظيم. وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، أشهدوا خلقهم؟! ستكتب شهادتهم ويسألون) (الزخرف ١٥ - ١٩)
ولست في حاجة إلى أي تعليق على هذه الآيات، فهي صريحة في المعنى الذي قررناه،