خلق الشيطان أو من خلق إله غير آلهتهم؛ وأن مخلوقا هذا شأنه ينبغي التخلص منه. وأصل عقائدهم هذه أنهم كانوا يقسمون ما تخرجه الأرض وما تنتجه الأنعام قسمين: قسم ينسبونه لآلهتهم (اللات، العزى، مناة. . . الخ) ويعدونه من خلقها، وهو قسم طاهر زكي؛ وقسم ينسبونه لله تعالى يعدونه من خلقه، وهو قسم كانوا يعتقدون أنه مدنس بالرجس، فكانوا يحرمونه على أنفسهم، أو يرون أن واجبهم الديني يقتضيهم التخلص منه أو تقديمه قرباناً لآلهتهم، وما زين لهم اعتقاده بصدد نتاج الحرث والأنعام زين لهم اعتقاد مثله بصدد نتاج الإنسان، فقسموا ما يولد للإنسان قسمين: قسم طاهر زكي من خلق آلهتهم وهو جنس الذكور، وقسم من الله وهو نوع الإناث، وهو قسم مدنس بالرجس كانوا يحرمون بقاءه ويرون أن واجبهم الديني يقتضيهم التخلص منه ومن أجل ذلك كانوا يتقون ذبحهن ويؤثرون وأدهن عقب ولادتهن مباشرة حتى لا تنتشر دماؤهن فتنتشر معها ما تحمله من نجس ورجس.
بل كان بعضهن يبالغ في هذا التحرج فيئدهن بعيداً عن المنازل كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولم يقف أمر اعتقادهم هذا عند حدود العالم الطبيعي: عالم النبات والحيوان والإنسان، بل جاوزوه إلى عالم السماء. فكانوا ينسبون لله تعالى من هذا العالم كل ما يعتقدون أنه من نوع الإناث، ومن أجل ذلك نسبوا إليه الملائكة لاعتقادهم أنهم من هذا النوع
وإليك جميع الآيات التي عرضت لوأد البنات، وسيتبين لك من التأمل فيها وربطها بعضها ببعض صحة ما ذهبنا إليه
١ - (ويجعلون لما لا يعلمون (أي لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد. اهـ بيضاوي) نصيباً مما رزقناهم (من الزروع والأنعام اهـ البيضاوي) تالله لتسألن عما كنتم تفترون. ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم (أي لآلهتهم) ما يشتهون (يعني البنين) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به. أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون) (النحل ٥٦ - ٥٩)
فالآية الأولى تقرر عقائدهم في نتاج الحرث والأنعام ونسبة بعضه لآلهتهم. والآية الثانية تقرر عقائدهم في نتاج الإنسان ونسبة الذكور لآلهتهم وجنس الإناث لله. والآية الثالثة تصف ما كان يفعله أحدهم إذ بشر بالأنثى. وغني عن البيان أن في مجيء الآية الثالثة