نخبة الجند، يقلدهم السلطان درجات ضباط الجيش ووظائفهم، فيبدؤها الخاصكي برتبة أمير عشرة، فأمير طبلخاناه، فأمير مائة، فمقدم ألف، وهذه أرقاها. وكان لكل من هؤلاء الضباط أو الأمراء شعار خاص به يسمى (رنكا) يرسمه على كل ما يمكن أن يتصوره العقل من الأدوات التي يستعملها في حياته اليومية كالأسلحة والمشكاوات والأقمشة والمخطوطات وأدوات الزينة وأواني الطعام والشراب، وعلى واجهات المباني والشبابيك والأبواب والأعمدة وتيجانها وغير ذلك.
والرنوك في مصر والشام كانت موضوع بحث عند كثيرين من العلماء الأوربيين اذكر منهم ويعقوب أرتين باشا. وكان آخر من بحث هذا الموضوع الأستاذ الدكتور الذي ألف كتاباً فيه. ولا يزال يتابع البحث، وينشر ما أستجد من الأبحاث في المجلات العلمية.
ومما يؤسف له ألا نجد شيئاً وافيا عن هذا الموضوع في كتب مؤرخي العرب الذين عاصروا المماليك: كأبي الفداء والمقريزي والقلقشندي وأبي المحاسن وابن إياس سوى ما ذكروه من الرنوك عرضا - وفي حالات قليلة - في سياق كلامهم عن الحوادث أو وفيات بعض الأمراء. ومن هذه الحالات القليلة ما ذكره أبو الفداء في تاريخه من علامات وظائف الدوادار والسلاحدار والطشتدار والجمدار والأمير آخور والجاويش. وإننا نعتقد أن مؤرخي العرب اعتادوا رؤية الرنوك، فلم يجدوا فيها ما يستلفت النظر ولذلك لم يبحثوا فيها، ويؤيد هذا الرأي الأستاذ جاستون فيبت في نقده لكتاب الدكتور ماير، ويقول إن الذهبي وصف مرة رنك السلطان كتبنا مع رسم توضيحي له. ولهذا فنحن مضطرون في دراستنا للرنوك إلى الاعتماد فقط على الكتابات التاريخية التي ترافقها في بعض الأحيان، ودراسة تراجم الأمراء المذكورة أسماؤهم في هذه الكتابات لكي نصل إلى معرفة الوظائف التي كانوا يشغلونها، ونستخلص من ذلك ما نفسر به رنوكهم
وقد دلت هذه الدراسات على أن الوظائف الممثلة في الرنوك هي وظائف صغيرة في البلاط السلطاني يشغلها الخاصكية؛ واستنتج الدكتور ماير أن المماليك كانوا يحتفظون مدى حياتهم برنوك وظائف الخاصكية التي شغلوها في خدمة السلطان قبل ترقيتهم إلى درجات الأمراء، بل إن كبار الأمراء كانوا يفخرون بما تولوه في أول عهدهم بهذه الوظائف الصغيرة