فما طلب ديزرائيلي الحكم ليعمل فيه ما يفكر فيه الأديب أو الشاعر أو القاص أو الفنان، ولكنه طلبه ليدفع به الهوان الذي كان يلقاه بين البيئات الأوربية، وليكره من يزدرونه على أن يحسبوا حسابه ويرجعوا إليه. ولو ازدراني أحد لرجعت إلى نفسي أسألها: لماذا يزدريني هذا الأحد؟ فإن كان لسبب حق فالحكم لا يدفعه عني، وإن كان لسبب من هذه الأسباب العارضة، فأنا إذن أولى بأن أزدري ذلك الأحد، وهو على خطأ وأنا على صواب
وقال كاتب الرسالة:(لقد جاهدت كثيراً في ميدان الصحافة والأدب ثم بلغت مرتبة نائب. فهل هذا منتهى جهدك؟ يبدو لي أنك تبلورت في مركزك الأخير!)
فالذي يقرأ هذا الكلام يخيل إليه أن كرسي النيابة نهاية طريق لي أو مرحلة على الأقل في تلك الطريق
على أن الحقيقة فيما أرى أن كرسي النيابة تعريجه في منعطف الطريق الذي أسير فيه، وأعني به طريق الأدب والكتابة. وكل ما ألتزم به على هذا الكرسي أن أخدم الدائرة التي أنوب عنها، وقد فعلت؛ ولي أن أقول إن نائباً آخر لم يفعل لدائرته الانتخابية خيراً مما أفعل. وإلى جانب ذلك أؤدي عملي في النيابة على الوجه الذي أراه، ولا أستبيح لنفسي أن أتخلف عن جلسات المجلس إلا لعذر قاهر سواء كان لي كلام في الجلسة أو لم يكن لي فيها كلام
تلك هي الصورة الصحيحة لمكان النيابة من حياتي العامة، وسأعود من تلك التعريجة راضياً مغتبطاً في اليوم الذي تأذن لي فيه حالة الأدب بيننا نحن الشرقيين أن أفرغ للكتابة و (العمل) الأدبي الذي أرتضيه
وصفوة القول أنني أعز الأدب هذا الإعزاز لأنه منحة لا يعطينها إنسان، فلن أعلق حياتي ولا قيمتي بمنحة يعطينها أحد من الناس ولو كانت الشهرة الأدبية التي قد يخيل إلى قوم أنها بغية المتمني وغاية الغايات، فإن جاءت الشهرة غير ممنونة ولا مبخوسة فقد سعت إلي وما سعيت أليها، وإن أبت أن تجئ على ما أختار فلست أخطو إليها خطوة. . . فكيف بالوظيفة والمنصب وما إلى هذه الأشياء؟