يا دكتور أنك ما قلت ذلك إلا لعقيدتك أن مخاطرتي لك تشغلني كما تشغلك مخاطرتك لي، ولكن عقيدتك هذه وهم باطل وظن خاطئ، فإن هجومي عليك وصدى لك لا يشغل مني كل أسبوع إلا الوقت يجري فيه القلم غير متوقف إلى حيث ينتهي المقال وهو وقت يسير في زمن اليوم لا الأسبوع، ثم هو لذيذ الوقع ترتاح لصريره النفوس.
وبعد فهاأنذا مرقل نحو مقالك الأخير فماذا أرى؟ رأيتك قد سودت أكثر من نصفه بأشياء خرجت فيها عن الجادة وجمعت بينها على الإكراه والقسوة، فبينا تبدؤه بالرد على كلمتي الثانية قبل ظهورها بهذه الجملة التي لا تقدم ولا تؤخر في الموضوع فتقول عني في تبرئة نفسك من السرقة التي ألبستك طوقها:(فكان حاله حال اللص الذي رأى صاحب الدار يمشي من بعد فصاح: مين اللي ماشي هناك)، ثم تعقب هذه بقولك:(إني أشعر بالارتياح كلما تذكرت أن عندي ذخائر يتطلع إليها الناهبون من الفضلاء) سبحان المنان الوهاب! وعلى هذا الغرار من قرع طبلك تقول عني (فليواجهني إن استطاع وأنا ماض إليه بقلم أمضى من السيف وأعنف من القضاء)، وستعرف أينا الذي يستطيع، وأينا الذي سيكون قلمه أمضى من السيف. أما أن قلمك أعنف من القضاء فمعاذ الله أن أشاركك هذا الكفران وقد علمت عن ابن دريد الذي تحدثت عنه في نظريتك المزعومة، أن تلميذه أبا علي القالي قال: (لما أصيب بالفالج كنت أدخل عليه فيتألم من دخولي فأقول: إن الله تعالى لم يبتله بذلك إلا عقاباً على قوله يخاطب الدهر وليس الدهر إلا الله:
مارست من لو هَوت الأفلاك من ... جوانب الجو عليه ما شكا
إذا بك تنتقل إلى أن كامل المبرد على ما به من فضل قد حرف وصحف وصار في حاجة إلى إصلاح، وإني لن أكون المصلح المنشود لأني لم أوهب نعمة الذوق الأدبي التي لا يظفر بها من كل جيل إلا آحاد، وأنت طبعاً من هؤلاء الآحاد إن لم تكن أوحدهم. ثم تقول كان المصلح المنشود له شيخنا العظيم سيد بن علي المرصفي وهو طبعاً من الآحاد الذين رزقوا نعمة الذوق الأدبي
والآن أقدم للجمهور شيئاً من أشياء أعرفها للشيخ المرصفي برهاناً واضحاً على أن الذوق الأدبي كثيراً ما خانه في أبسط مظاهره، ذلك الشيء هو أبيات جاء بها المبرد في الهجاء الموجع فجعلها المرصفي في شرحه من المدح البالغ. ولو كان المبرد يعلم أن ذوقه إلى هذا