وتشيكوسلوفاكيا، وبولونيا. أما اليوم فماذا بقى لها من هذا الظفر؟ لقد كان ظفر الديمقراطية في روسيا كالبرق الخلب، وكان اسماً بلا مسمى فلم تمض اشهر قلائل حتى قام طغيان البلشفية مكان الطغيان القيصري القديم، يخمد جميع الآراء والحريات الخصمية؛ ولم تثبت الديمقراطية طويلا في بولونيا، حيث وثبت العسكرية وفرضت سلطانها على الجمهورية الجديدة، واتخذت من الحياة النيابية ستارا تملي من ورائه إرادتها. أما في ألمانيا والنمسا فقد استطال هذا الظفر أعوام طويلة؛ واستطاعت الديمقراطية أن تنشئ الجمهورية الألمانية مكان الإمبراطورية القديمة، وان توطد دعائم الحريات الديمقراطية، وان تقود مصائر الشعب الألماني خلال الأزمات والخطوب التي تعاقبت من جراء الحرب والهزيمة مدى أربعة عشر عاما، ولكنها سقطت أخيرا صرعى الاشتراكية الوطنية والطغيان الهتلري، ومهدت لمصرعها بخلافها الداخلي؛ ومنذ أسابيع فقط لقيت مصرعها في النمسا بعد أن أقامت فيها الجمهورية، وتولت حكمها وقيادتها في أعوامها الاولى، ولبثت خمسة عشر عاما قوية مرهوبة الجانب. وإما في إيطاليا التي تمتعت منذ وحدتها بالحريات الديمقراطية في ظل الملوكية الدستورية، فقد غاضت الديمقراطية عقب الحرب بضربة سريعة، وقامت فيها الفاشستية منذ اثني عشر عاما تخمد كل الحقوق والحريات القديمة، وتتحدى الديمقراطية في العالم كله، وتنوه بقواها السياسية والاجتماعية، وتسير في ميادين السياسة والاقتصاد من ظفر إلى ظفر، وتقدم القدوة والإرشاد لكل نزعة أو حركة طغيان مماثلة.
فالديمقراطية تجوز في الواقع مرحلة عصيبة ربما كانت نذير انحلالها ومصرعها النهائي. بل إنها في البلاد التي ما زالت فيها راسخة وطيدة الدعائم تتخبط في غمار من الصعاب؛ وتفسح بأخطائها وعثراتها لخصومها مجال الاتهام والانتقاص. ففي فرنسا، مهد الديمقراطية الحديثة، تشتد الحملة على النظم الديمقراطية والحياة النيابية لما كشفت عنه الفضائح المالية الأخيرة (فضائح ستافسكي) من فساد شنيع يتغلغل في صميم الحياة العامة، ويصم الحكومات الحزبية والهيئات النيابية بتهم الرشوة واختلاس أموال الشعب، ويصم القضاء والبوليس بفساد الذمة والتستر على الجناة؛ ويقول خصوم الديمقراطية من الملكيين والفاشست، إن مثل هذه الجرائم لا يمكن أن ترتكببمثل هذه الجرأة وهذا الإغراق إلا في ظل الحياة السياسية الحزبية وفي ظل نظام تكسب فيه النيابية عن الشعب بقوة المال