والنفوذ، وغدت فكرة الدكتاتورية من الحلول المحتملة التي تطرح اليوم في فرنسا كوسيلة لانتشالها من هذه الفوضى، وغدت هيبة الديمقراطية هدفا لأشد الحملات. وفي إنكلترا اعرق الأمم الأوربية في النظم والحريات الديمقراطية، يهمس اليوم بكلمة الدكتاتورية، وتلقى المبادئ الفاشستية قبولا من الشباب الإنكليزي، ويوجد اليوم في إنكلترا بالفعل حزب فاشستي صغير لم يحرز بعد أهمية سياسية، ولكنه يعتبر رمزاً حياً لأثر الفاشستية في إنكلترا. ولم تحرز الديمقراطية في الأعوام الأخيرة إلى جانب هذه الأزمات والخطوب أي ظفر أو تقدم حقيقي إلا في أسبانيا، حيث سقطت الملوكية القديمة، لتقوم مكانها جمهورية جديدة مشبعة بأبعد المثل والأمانيالديمقراطية: بيد ان الجمهورية الفتية ما زالت تعاني صعابا وأزمات تكاد تصدع بناءها فماذا يكون مصير الديمقراطية إزاء هذه الخطوب؟ يقول أنصار الفاشستية والطغيان أن الديمقراطية لا تستحق الحياة لأنها برهنت منذ الحرب أنها ليست أهلا لحكم الشعوب في ظروفها واتجاهاتها الجديدة، وأنها دفعت الحريات السياسية والاجتماعية إلى حدود الفوضى، وسخرت الشعوب لاهوائها؛ وان الحياة البرلمانية أصبحت مظهراً من مظاهر التمثيل النيابي، ولا تعبر عن إرادة الشعب الحقيقية، وإنها تغدو في كثير من الأحيان عقبة في سبيل الأداة الحكومية تمنعها من العمل المجدي. وقد يجد أنصار الفاشستية في تاريخ الحكومات الديمقراطية ما بعد الحرب كثيراً مما يؤيد هذه التهم، ولكنهم يخلطون دائما بين المبادئ والديمقراطية وبين الصور المختلفة التي تطبق بها هذه المبادئ. فهذه المطاعن قد تلحق بعض النظم ووسائل الحكم التي تقوم على الفكرة الديمقراطية، ولكنها لا يصح ان تنسب إلى الفكرة ذاتها، وإذا كانت الأحزاب والحكومات الديمقراطية قد ارتكبت كثيراً من الأخطاء في ألمانيا وإيطاليا، وإذا كانت توصم اليوم في فرنسا بكثير من العيوب والتهم، فإنها ما زالت في إنكلترا والسويد مثلا تعمل في ظل الملوكية بقوة وبراعة وتدلل على أنها امثل طرق الحكم المستنير العادل. والفاشستية لا يمكن أن تزعم أنها بريئة من العيوب، فهي أولاً ابعد صور الحكم عن تحقيق العدالة وصون الحرية، لأنها تقوم على القوة المادية ولا تعف عن ارتكاب أشنع وسائل العنف تحقيقاًلسيادتها، ويكفي ان نسير في ذلك إلى ما ارتكبه الفاشستية الإيطالية في أعوامها الأول من الجرائم والاعتداءات المثيرة، وما استعمله من وسائل البطش والإرغام