للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الموات، وتبعث فيها الحياة، وترد عليها التحية. . .

- ٢ -

. . . متى يا رسول الله. . . يظلني المسجد النضر، لأحدثك حديث هؤلاء الذين تركتهم على بيضاء نقية لا يضل فيها السالك ولا يحار فيها الساري؛ فإذا هم قد ضلوا الطريق، وتنكبوا السبيل وتاهوا في بيد مظلمة. . . لا يجدون المخرج، ولا يلقون المنفذ، ولا تتراءى لهم إمارات الهداية. . .

هؤلاء، يا رسول الله، الذين خلفت فيهم القرآن، وأوضحت لهم الغاية؛ وحلقت بهم في أجواء السمّو، وآفاق المجد، ودنيا السيادة؛ قد ذّلوا. . . فضعفوا عن الحق، وسكتوا عن الواجب، واستخذوا لإرادة الناس الحقيرة. واطمأنوا إلى هذه الاستخذاء وهذا الضعف. . . فإذا قلوبهم غلف، وإذا آذانهم صم، وإذا الدعوات التي تستمد منك قوتها، وتستلهم من وحيك نورها. . . لا تفعل فيهم إلا ما تفعل النسمات المطلقة في الصخور القاسية!

. . . إن الألم ليغمر النفوس العامرة يا رسول الله فتقعد عن العمل، وإن اليأس ليملأ القلوب النقية ليفسد عليها الأمل؛ وأن الهجمات لتتري. . . فمن يذكرنا مواطن العظمة في حياتك وسر الخلود في دعوتك، وجمال الصبر في جهادك؟ من يبث ذلك في قلوبنا يا رسول الله؟. . . من ينثره في أذهاننا كما تنثر السماء سحب الرحمة؟. . . من يقول لنا هذا هو الطريق. . . بعد أن باعدت بيننا وبينك ضلالات فيها السحر، وصرفتا عنك فتن فيها الإغراء

. . . أين أنت يا رسول الله، لتشهد المسلمين اليوم وقد نكبوا بالفرقة، وابتلوا بالنزاع فإذا هم لا يد في حكم، ولا شأن في سيطرة، ولا رأي في مشورة، يعيشون في هامش الحياة كما تعيش النبتة الصغيرة في ظل الشجرة الضخمة في جو معتم من الولاء، لا يمتد لها غصن يقبّل النور، ولا يشتد لها ساعد يحي السماء!

أين من يقول لهؤلاء المسلمين يا رسول الله إنك كنت تجاهد للحياة التي تحل الضعف، وتستهجن الصمت، وتكره الهدوء؟

أين من يقول لهم إن هذا الهدوء الذي يطمئنون إليه أول نذر الموت، وأدلة الفناء

لشد ما نحتاج إلى هديك يا رسول الله. . . لندرك أن الدنيا ليست دنيا الشهوات التي نقبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>