الهوى. . . كهذه الجاهلية التي بددت ظلماتها، وكشفت غياهبها، ونشرت في جنباتها الهداية. . . فهلا أهبت بأنصارك ليتأسوا بك. . . وليهاجروا إليك. . . وليبدءوا دعوتهم بمثل ما بدأتها من قوة وعزيمة وجلد؟!
. . . ركب الإنسانية يستغيث بك يا رسول الله إلى الناس. . . فاسأل الله له السلامة في مهمة الغرائز، والخلاص من ربقة الأهواء، والنجاة من حرب الغل والضغائن. . . وخذ بزمامه إلى ساحل النجاة، فقد سئم صراع الموج، وزمجرة الغضب. . . وضاق بفوضى المذاهب، وخداع المظاهر، وتناحر الآراء. وأسلم وجهه إلى الله. إلى الله وحده يؤمن به، ويعمل له، ويتكل عليه. . . هذه حالنا يا رسول الله. . . فمتى ينبثق الفجر من خلال الضباب الكثيف، ومتى تبصر العين وجه الحياة: لا تغطيها الدموع، ولا تخدعها المظاهر. . . ومتى يجد المدلجون في سفين الزمن شعاعات الرحمة وأنوار الهداية؟
- ٦ -
إن الحديث يا رسول الله ليفجر ينابيع الألم، وإنه لينشر صفحات كابية: في إطار سواد، وفي جنباتها حزن، وفي رحابها تاريخ يشهد بالضعف والخور. فما أحوجنا أن نهاجر إليك فنملأ صدورنا من روحك الندي ونطهر عزائمنا بعبقك العطري، وندفع هذا الصدأ الذي يأتكل نفوسنا بالتمرغ في أعتابك الطاهرات
إني لأرنو يا رسول الله إلى هذه الساعات؛ وإني لأهيل عليها الصور، وأريق عليها الزخارف. . . فلا أبلغ بها معشار ما يكتنفها من روعة، وما يحوطها من جلال. . . فمتى أشهد هذا الجلال، في مسجدك المتألق، وروضتك الطاهرة، وضريحك الحي؟!
آه يا رسول الله. . . ما أشد حنيني إلى نسمات الصحراء، ولفحات الشمس، وجرعات زمزم