أحكامها، وأن المحاباة تدخل في تقديرها وحسابها، فهي اعدل من تُطلب عنده النصفة ويلتمس منه التقدير
وفي تاريخ الأمة الإسلامية كثير من أمثال هذا النسيان، كما في تاريخ غيرها من الأمم. فليس من العدل أن يذكر اسم (الحجاج بن يوسف الثقفي) في توطيد الملك لبني أمية وينسى عشرات غيره ممن لا يقلون عنه يداً في دعائم التثبيت. وليس من الحق أن يذكر أبو مسلم الخرساني في الدعوة للدولة العباسية وينسى غيره ممن ساعدوا في بناء هذا الملك الذي يقول فيه الشاعر العباسي:
أصبح الملك ثابت الأساس ... بالبهاليل من بني العباس
نعم إن في بناء الممالك وقيام الإمبراطوريات عوامل أخرى تقوم بجانب العوامل الشخصية؛ وإذا كانت هذه العوامل الأخرى تذكر في معرض البحث ومجال الدرس ويلقى عليها ضوء يكشف عن دجاها، فإن العوامل الشخصية أحق بأن تذكر جميعاً، وألا يطوي النسيان واحداً أو اثنين أو جماعة منها
والذي يتتبع تاريخ الإمبراطورية البريطانية يجد فيها أسماء كثيرة يعرفها كل شخص، ويرددها كل لسان، يلقنها الطفل في مهده، ويقرأ عنها في دراسته الأولى، ويستزيد البحث عنها كلما كبرت سنه، وكثر ميله إلى المعرفة، وزاد شوقه إلى الاطلاع
فهناك (رودس) وأعماله الخالدة في جنوب أفريقية، وهناك (كوك) الملاح المستكشف الرحالة الذي راح ضحية مغامراته العظيمة فقتل بأيدي جماعة من سكان جزائر ساندويتش الوطنيين، وهناك (وولف) القائد العظيم الذي وطد للإمبراطورية في كندا وظهر في حصار (لويسبرج) واحتلال (كوبيك) في مفتتح القرن الثامن عشر؛ وهناك (نلسون) أمير البحر العظيم الذي جرح جرحاً بليغاً في معركة الطرف الأغر ضد الفرنسيين فلم يمنعه ذلك أن يقوم بواجبه وهو في ساعة النزع الأخير، وقد حشرجة نفسه وضاق بها الصدر
وهناك (دريك)(وكلايف) الذي مكّن لإنجلترا في بلاد الهند الواسعة وجعلها ملكاً للتاج البريطاني. وهناك عشرات غير هؤلاء يعرف الناس من أنبائهم الكثير
ولكن من سمع في تاريخ الإمبراطورية البريطانية عن (كلسي)؟ ومن حفظ اسم السير (جون ريتشاردز)؟ ومن خطر على باله أن يذكر في معرض الحديث عن القارة المجهولة