للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منذ نحو ثلاث وعشرين سنة وقف الخطباء والشعراء في المدرَّج الذي أنشأه الوزير علي مبارك باشا في ديوان المعارف بدرب الجماميز، وقفوا يرثون الشيخ حمزة فتح الله، وكان فيهم محمد الهراوي وعلي الجارم ومحمد الخضري، ثم وقف خطيب خُتمت خطبته بالدمع، فمن هو ذلك الخطيب؟

هو الأستاذ الشيخ محمد المهدي بك، أول أستاذ تلقيت عليه دروس الأدب بالجامعة المصرية؛ فقد كان في خطبته أن جماعة من المستشرقين أرادوا أن يشتروا مخطوطات الشيخ حمزة فتح الله وأنه أجاب: هذه المخطوطات ملكٌ لوطني!

وقد بكى الشيخ المهدي فأبكاني حين فاه بهذا التصريح النبيل

وأنا من جانبي أذكر أن الشيخ المرصفي كان يصلي العصر بالأزهر منذ نحو عشرين سنة وبجانبه رجل يترصدّه من جماعة الناشرين؛ فلما انتهى الشيخ من صلاته أقبل الناشر يقول: أرجو فضيلة الشيخ أن يبيعنا حق النشر لشرحه على الأمالي. فصرخ الشيخ: هذا شرح لا يشتريه إلا ملك!

وكان ذلك آخر العهد بشرح المرصفي على الأمالي، ومصرُ لا تخلو من عقوق إلا أن يتفضل أستاذنا الشيخ محمد مصطفى المراغي فيشتري هذا الشرح من الورثة قبل أن يضيع كما ضاعتْ مئات وألوف من آثار أصحاب الفضل بهذه البلاد

إن نفعتْ هذه الفرصة بعض النفع في إنقاذ بعض مؤلفات الشيخ المرصفي فسيكون من حقي نحو ضميري أن أتناسى الإيذاء الذي صوَّبته إلى الأستاذ السباعي بيومي، وإلا فسأذكر أني أهنت رجلاً وادعاً بلا نفع ولا غناء، فما آثرت ميدان النقد الأدبي إلا لغرض نبيل هو إيقاظ الغوافي من العواطف والقلوب

المهم هو الظفرٍ محقق لخدمة اللغة العربية، فأين من يستمعون هذا الصوت فينقذون مؤلفات الشيخ المرصفي من الضياع؟ وأين من يذكرون أن الشيخ المرصفي كان أول رجل أقام دولة للأدب واللغة في مطلع العصر الحديث؟

أما العبارات التي آذيتُ بها الأستاذ السباعي بيومي والتي استوجبتْ أن يتوسط بيني وبينه أولئك الأكابر من المفتشين، وهم لي وله إخوان، فأنا أراها عبارات هينة رقيقة، على شرط أن تنبه الغافلين من تلاميذ المرصفي العظيم، وإلا فهي إثمٌ اجترحتُه في بلاد لا تعرف

<<  <  ج:
ص:  >  >>