- لك ذلك أيها الزعيم على ألا تسألني عن ماضي لأنه قد تصرم وطواه الظلام
وبدت طلائع الفجر ولما يرقأ لعين الأميرة دمع، وطفقت تحدث نفسها: أي ذنب جناه الصبي لأميته على الصورة التي أوحاها لي غضبي ونزقي. الحديث حبه السامي وتدلهه بي. لقد أتيت أمراً إدَّاً. وعاشت الأميرة ساهمة واجمة يروعها طيف الصبي يلاحقها في الغدو والرواح
ولا تقول أن مازبا قد سلاها، ولكنه طرحها في زاوية معتمة من زوايا قلبه، وراح ينسج عليها الزمن خيوط النسيان
وتحجرت عاطفته، فوجه كل حبه إلى وطنه الجديد، وتعلم الفروسية على فرسه وعلمها لشباب قبيلته، وأكسبته فطنته ودرايته ومكانته من زعيم القبيلة مهابة كان يزيدها عزوفه عن النساء وبغضه لهن، وكان الزعيم الكهل يفرك يديه سروراً كلما رأى مازبا جالساً على محفته يحكم بين الناس بالعدل ويصرف الأمور بعزم الشباب وحكمة الشيوخ. وحل موعد جباية الضرائب في عام كان الناس فيه يمترون، فجأرت القبائل بالشكوى قائلين: يا مازبا، كن شفيعاً لدى بطرس الأكبر ليرفعها عنا. إنك بمواردنا عليم
ويأسى مازبا لبني وطنه الجديد ولا يدرك فيم تنفق الأموال التي تأخذ منهم قسراً لتحشر في خزائن بطرسبرج فيتصل بزعماء القبائل يحضهم على العصيان والإبقاء على أموالهم قائلاً في حماسة:
- فليأت هذا البطرس هنا ليأخذ منا ضرائبه عنوة إن شاء. يا شباب القوقاز: أفيقوا من سورة الخمر وسحر النساء، وهبوا لنشعل أوار المعركة لتظفروا بالحرية والمجد
وهكذا نفث مازبا في روح القبائل جمراً من الوطنية يستعر ورغبة جامحة إلى خوض ميدان القتال. وكان بطرس الأكبر داهية أريب، فأقام ليلة عيد الميلاد حفلاً هائلاً دعا إليها الملوك والأمراء من كل قطر ومصر، واستدعى إليه مازبا وأمنه على نفسه ووطنه ووعده بالنظر في رفع ضريبة الدولة على أن يظلل القوقاز تحت حكم الروس
وكان القصر الإمبراطوري شعلة تتوهج بين الدوح السامق والرياض المزهرة؛ وقد نشرت الصحاف مثقلة باللدّ الشهي من ألوان الطعام، وقام وزير الخارجية بتقديم المدعوين إلى بعضهم، فهؤلاء مندوبو فنلندا واستونيا والقابعون على الشراب في البهو الخشبي حكام