ثم ماذا؟ ثم أقول: إني علمت أن جريدة (صوت السودان) أخذت تُصدِر أعداداً خاصة في التعريف بأدباء مصر الجنوبية تمهيداً لتحقيق المشروع الذي فكرتُ فيه، فأرجو أن يتفضل الإخوان هناك بإرسال تلك الأعداد باسم:(زكي مبارك بمصر الجديدة) لأستطيع متابعة هذه الدراسات الأدبية، ثم أقول أيضاً: إني أرجو أن يتفضل أحد أدباء (السودان) فيرشدني إلى ما صدر عندهم من المطبوعات الحديثة مع النص على المكاتب التي تبيعها لأقتني منها ما يساعد على فهم هذا الموضوع الجليل.
والمهمّ هو أن نكون رجال أعمال، لا رجال أقوال، فلن يكون الوعد بزيارة (السودان) زُخرُفاً من القول نلاطف به إخواننا في ذلك القطر الشقيق، وإنما يجب أن يكون من نياتنا الصوادق أن نعاون معاونة صحيحة على تأريث الأدب العربي في السودان، وأن نسجل تطوّر الخواطر والأفكار في ذلك الشطر من وادي النيل، النيل الذي فتن (إميل لودفيج) فزاره في منابعه، ثم أنشأ فيه كتاباً خلق للسودان ملايين من الأصدقاء
كان أسلافنا أصدق منا يوم عَبدوا النيل، وكنا عاقين حين اتهمناهم بالوثنية، فما كان التعلق بمصادر الخيرات إلا فنا من الثناء على واهب الخيرات
لما هبطت أسعار الفرنك في فرنسا منذ بضع سنين هتف صوتٌ يقول: أيها الفرنسيون، انتهزوا فرصة هبوط الفرنك وزوروا أقاليم وطنكم الجميل!
وأقول: إن الحرب قضت بأن تقفَل أبواب أوربا في وجوه المتشوقين إلى ما في أوربا من ملاعب الصيف ومراتع الشتاء، فانتهزوا هذه الفرصة يا أبناء العرب وزوروا أقاليم وطنكم الجميل، على شرط أن تذكروا السودان، فهو اليوم أكبر قارئ للمؤلفات والجرائد والمجلات، مع تفرده بالاغتراب ظلماً عن قافلة الوحدة العربية
وفي ختام هذه الكلمة أذكر بالثناء العاطر ما صنع طلبة كلية الآداب، فقد تألفت منهم بعثة سنة ١٩٣٨ لزيارة السودان كما تألفت منهم قبل ذلك بعثات لزيارة العواصم العربية، فصنيع كلية الآداب يشهد بأن فيها عقولاً تدرك أن وصل الأمم العربية بعضها ببعض غرضٌ يوجبه الصدق في إحياء الأدب العربي والتراث الإسلامي. وسيكون لكلية الآداب في توكيد هذه المعاني مقامٌ يسجله التاريخ بأحرف مسطورة فوق جبين الوفاء.