للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ماضينا يرجع إلى فضيلة الاحتكام إلى العقل في جميع الأمور، وهي فضيلة حفظت وجودنا سليما على اختلاف الأجيال

أما بعد فأين أنا مما أريد؟

أنا ماضٍ في نظم سلسلة من الأبحاث عن الأدب الحديث في السودان، ولكن السودان يصدّني عما أريد؟ فكيف وقع ذلك؟

هنا يظهر نضج العقل في تلك البلاد، فما كاد يصل مقالي بالرسالة إلى مدينة الخرطوم حتى سارعت إحدى الجماعات الأدبية هنالك فأرسلتْ إلىّ برقية ترجوني فيها إرجاء الحكم على أدب أهل السودان إلى أن أزور السودان. وكذلك صنع الأستاذ عبد العزيز عبد المجيد، فقد كتب إليّ خطاباً قال فيه: إن أدباء أهل السودان مع ارتياحهم للحديث عنهم يرجون أن أؤجل هذا الحديث إلى أن أزور السودان

فهل تعرفون السرّ في هذين الاقتراحين؟

يظهر السرّ جلياً حين تعرفون أني لم أتأهب لإنشاء بضع مقالات للتعريف بالأدب الحديث في العراق تيسيراً لمهمة المدرسين الذين سيتقدمون لمسابقة الترقية للتعليم الثانوي إلا بعد أن كتبت لسعادة مدير التربية والتدريس في بغداد خطاباً أرجوه فيه أن يتفضل فيحدد المعالم الواضحة لأدب العراق، خوفاً من أن يشط قلمي فيخوض في أحاديث ينكرها أهل العراق

فإذا جاز أن أتحفظ في الحكم على الأدب العراقي بعد أن زرت جميع الحواضر العراقية، وبعد أن تعرفت إلى جمهرة أهل الأدب هنالك، فكيف لا أتحفظ في الحديث عن أدب أهل السودان وأنا لم أزر تلك البلاد؟

الحق أن هذين الاقتراحين على جانب عظيم من السداد، وبهما يظهر أنه لا بدَّ من تأجيل الحديث عن أدب أهل السودان إلى أن أتشرف بزيارة ذلك القطر الشقيق؟ ولكن متى! سيكون ّذلك بإذن الله في شهر أيلول، وهو موسم طغيان النيل، فعندئذ أزور السودان بصحبة صديق يحبه السودانيون وهو الأستاذ الزيات؛ ثم أكتب عن الجوانب الأدبية، ويكتب هو عن الجوانب الاجتماعية، وبهذا يمكن تسجيل صور صحيحة عن السودان ينتفع بها المتشوقون لأخباره من أبناء الأمم العربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>