للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكنه لا يطرب من غناء وموسيقى تتنافر فيها تلك المدلولات اللفظية والصوتية؛ لأن عقله الباطن يدرك تنافرها، أو لأنها لا توافق مزاجه الروحي، وإن لم يكن بينها تنافر، أو لعدم وضوح معانيها له، ومدار ذلك كله هو الإدراك والذوق

ولكن الحقائق المتقدم بيانها ما مبلغ علمنا بها يا ترى؟ وهل يُلتفت إليها في بلادنا؟ الجواب في الكليمات الآتية في الأعداد التالية، وحسبنا الآن إشارة

لما دال الدهر القلَّب، وظعت أسباب الانحطاط على الشرق، وتفشَّاه الجهل، وذهبت الأخلاق، وضاعت فيه الآداب والفنون، لم يبق بعدها من الغناء والموسيقى، في الفترة المديدة التي سبقت بدء النهضة المصرية، سوى بقايا ضئيلة ههنا وثَمَّ، مستها الأسواء ولمّا نمعن في البحث عنها وعن أصولها وضوابطها، ولم نحسن الاعتناء بما بين أيدينا منها، ولم ندرك ماهيتها ونبني عليها؛ وليس لنا بد من طور آخر نقضيه متلمسين الفن الحق، متعثرين في سبله

نعم، فإن كثيراً من الملحنين والمغنين والموسيقيين والمستمعين - بقطع النظر عن الأقليات التي تدخل في باب الاستثناء - لا يزالون عندنا من بيئات دون الوسطى، ضئيل محصولهم، أولية عقولهم، ساذجة نفوسهم، سقيمة أذواقهم. وقصارى البارع من هؤلاء الفنانين أن يتقن تقليد ما ترك الجيل السابق، أو أن يعبث بشيء من بعض آثار القدماء، أو أن يمسخ الفن بما يزعم أنه تجديد وابتكار. وكثير من النقاد مثلهم ولم يفطنوا؛ لمواطن الأدواء، فليس في مقدورهم أن يصفوا الدواء، ونقدهم مغترض يساير الشُّهى ويتحرى مظان المنفعة، وخيره أقل من شره، ولو تنزه وصح لكان في مصلحتهم ومصلحة الجميع على السواء.

محمد توحيد السلحدار

-

<<  <  ج:
ص:  >  >>