ثم انتهزت الفرصة فقدمت لقرائي توجيهاً لضم الظاء من الظرف في لغة المصريين فقلت إنه نوع من الإتباع لكثرة اقتران الظرف باللطف، والإتباع معروف في اللغة العربية، وله شواهد كثيرة سجلت بعضها في كتاب النثر الفني
ثم وقع بعد ذلك أن انتقد بعض أدباء فلسطين ذلك التوجيه وعدَّه دفاعاً عن أخطاء المصريين. وقد أجيب بأن هناك سبباً يضاف إلى الإتباع وهو التمييز بين المحسوس والمعقول، فالمصريون يفتحون ظاء الظرف إذا أرادوا (الوعاء) ويضمونها إذا أرادوا (اللطف) وأنا أسمي هذا (غريزة لغوية) وأراه من الصواب
وأنا أسأل الباحث المفضال (ا. ع) عما يُعرَف في لغة العرب بالمثلثات، وهي الألفاظ التي تنطق فاؤها بالفتح والضم والكسر أسأله عن السر في هذا التثليث، فهل يراه لغة واحدة ينطق بها من شاء كيف شاء في جميع البلاد؟ أم يراه باباً من اختلاف اللهجات يَفْصُح بعضها في مصر ويَفْصُح الآخر في الشام أو في العراق؟
وإليه هذا المثال: كلمة (جزاف) مثلثة الفاء فهي جَزَاف وجُزاف وجِزاف، ولكن المصريين ينطقونها (جُزاف)، بالضم، فهل ترى من الفصاحة أن ينطقها المصري في خطبته بالفتح أو الكسر بحجة أن المعاجم تبيحه ذلك؟
الحق كل الحق أن اللهجات المختلفة شرقت وغربت، وهي جميعاً صحيحة النسب إلى العرب، ولكن اللهجة لا تفصح إلا في المكان الذي استوطنت فيه، فإن تجاوزنا بها ذلك كان صنيعنا ضرباً من الإغراب. وعلى هذا يكون ضم الظاء في الظرف على ألسنة المصريين له ثلاثة توجيهات:
الأول: أن يكون اكتسب حكم الإتباع من اللطف؛ والثاني: أن يكون للتمييز بين المحسوس والمعقول؛ والثالث: أن يكون لهجة عربية تفردت بها بعض القبائل التي استوطنت وادي النيل
وبهذه المناسبة، أذكر أن الأستاذ أحمد العوامري بك كان كتب كلمة في مجلة المجمع اللغوي عن (نادي التجديف) بالدال المهملة، فكان من رأيه أنه (التجذيف) بالذال المعجمة؛ وقد ناقشته يومئذ في جريدة (البلاغ)؛ فقلت: إن الشعراني في مؤلفاته يرسمها بالقاف فيقول (التقذيف)؛ وعند مراجعة القاموس المحيط رأيته يثبت ثلاثة حروف هي: المجداف