فهذا القس قضى في التبشير بين المسلمين والبرهميين والبوذيين ببلاد الهند اكثر من عشرين سنة، ودرس خلال ذاك ما استطاع أن يدرسه من التواريخ والمباحث الإسلامية، ثم جمعها في هذا القاموس أو هذا المعجم كما قال هداية للموظفين الذين يتولون الحكم بين المسلمين، ومساعدة للمبشرين الذين يجادلون علماء الإسلام، وللسائحين الذين يطوفون بلاد المشرق، وللباحثين الذين ينظرون في المقارنة بين الديان، ولكل من يشغله عمله أو نزعة فكره بشأن من شئون المائة والخمسة والسبعين مليونا (هكذا) من الأناسي الذين يتبعون محمدا عليه السلام.
ولكني أقول معترفاً إنني أرجع إلى هذا القاموس حين يستعصي علي الرجوع إلى المطولات الدينية للوقوف العاجل على مسالة من المسائل الإسلامية، سواء تناولت الفقه أو التاريخ أو تقويم البلدان، ولا أرى مناصاً من مراجعة هذا القاموس وأمثاله على عامي بما فيها من الزيغ المقصود ومن التعصب الذي لا تخلو منه كتب المبشرين
ويتفق كثيرا أن يخوض بعض الجلساء في مسألة من مسائل الفقه الإسلامي لا يحضرنا الفقيه الحجة الذي نستفتيه فيها، أو نستدل منه على مراجعها، فما هي إلا لحظات حتى أوافيهم بالفتوى المجملة، أو بالدلالة على مظانها ومواقع استقصائها. ويعجبون فيزداد عجبهم حين أطلعهم على قاموس من هذه القواميس التي ليس اسهل من البحث فيها: كتاب إنكليزي يدلنا أسرع دلاله على مراجعنا نحن المسلمين أبناء العربية. . . فلم لا نعجب ويعجبون؟!
إننا فقراء.
وقد نعلل الفقر في علوم الدنيا بخروجها في الزمن الحديث من أيدينا، فهل خرجت من أيدينا كذلك علوم ديننا؟ وهل البواعث الدينية التي عندنا أقل من أن تحقق لنا ما يحققه الغربيون ببواعث الشوق إلى المعرفة أو بواعث الشوق إلى السيادة؟
الحق أن الشوق إلى معرفة الدين نفسه تحتاج قبل ذلك إلى شوق المعرفة في أعم معانيها، وأن العجز عن العلم والسيادة يورث العجز عن الإيمان والعقيدة، حتى بين المتدينين المعتقدين