أصعب الأمور، ووراء مشكلة الوقت مشكلة الإقبال على هذه الأعمال، ومشكلة المثابرة وهي أعضل ما نعانيه في كل عمل مديد الأجل متشعب الفروع، ومشكلة الأزمات الدولية والأزمات الداخلية التي تثقل على كاهل التجارة الرائجة والسلع الضرورية للمعيشة اليومية، فكيف بتجارة العلم وسلع القراءة!
قال الأدباء المترجمون في الجزء الأول من أجزاء الترجمة العربية:(. . . اختمرت فكرة ترجمة تلك الدائرة في رءوسنا منذ أعوام ثلاثة فعكفنا على دراسة المشروع من جميع نواحيه وألممنا بكل الصعوبات المادية والمعوية التي كثيرا ما تعترض الأعمال العلمية والأدبية في مصر، وظلت هذه الصعوبات حائلاً بيننا وبين تحقيق أمنيتنا، ولعلها كانت عين الصعوبات التي وقفت في سبيل غيرنا ممن حاولوا تحقيق تلك الأمنية، حتى لاح لنا أننا كنا مخطئين حين حاولنا أن نحل الصعاب كلها دفعة واحدة، فرأينا أخيرا أن نقسم العمل إلى أقسام ثم نشرع في التطبيق خطوة خطوة، وشعارنا أن كل شيء متيسر مستطاع)
وعندنا أن هذا الخاطر هو العلامة الأولى للعزيمة العاملة، لأن القدرة على تقسيم الصعوبات ضرب من القدرة على تذليلها، وليس أدل على النصر من قدرة القائد على تفرقة الخصوم وهزيمتهم فرقة بعد فرقة. فلو لم يكن الأدباء مترجمو الدائرة أهلا لفضيلة المثابرة لما كانوا منذ البداية أهلا لتصغير الصعوبات بتفريقها والتغلب على أجزائها، أو على رهبة الأحجام التي تلازم من يجمع الصعوبات ويستضخمها ويزيد عليها من الوهم ما ليس فيها
لقد شرع بعض الكبراء كما شرع بعض الدواوين الحكومية في طبع موسوعات دون هذه الموسوعة في حجمها وتعقيدها، وكان منها ما ليس يحتاج إلى ترجمة قبل طبعه، ومنها ما يحتاج إلى ترجمة ولا يحتاج إلى إعادة تبويب. ثم وقفوا عند البداية أو بعد خطوة قصيرة من البداية، فانفراد الأدباء مترجمي الدائرة بالمثابرة على هذا العمل الكبير مزية جديرة بالتسجيل في حياتنا الفكرية، ولهم حق في التهنئة بما جاهدوا وثابروا على قدر هذه الفضيلة النادرة، وعلى قدر الحاجة إلى تلك الدائرة، وهي حاجة توجبها الرغبة القومية كما توجبها الرغبة في العلم والثقافة
لكننا لا نكتفي بالتهنئة، بل نضيف إليها اقتراحاً في صدد ما أسلفناه من شكوى الافتقار إلى