صائرة إلى البوار ثم الزوال، لان القراء لا ينتظرون الكتاب المجهولين، وإنما ينتظرون الكتاب المعروفين، والكاتب لا يعرف في وطنه إلا بعد أن يشيب فؤاده في مساورة الأبكار من الحقائق والمعاني
وما أريد بهذه الكلمة أن أقول أني جدير بالانتفاع بما أنشر في الجرائد والمجلات، فهذا القول قد يعد من الزهو في موطن لا أريد فيه غير توجيه النصح إلى من يسألونني من وقت إلى وقت عن إمكان الاستفادة المادية من الصحف المصرية وفي توجيه النصح إلى هؤلاء أقول:
لا تصدقوا أن في مصر جريدة تدفع قرشا واحدا لكاتب على سبيل المعونة والتشجيع، ولا تصدقوا إن الصحفيين اليوم يجوز عليهم التلطف، كما كان يجوز على أسلافهم الكرماء من أمثال علي يوسف وعبد العزيز شاويش وأمين الرافعي، فتلك أيام خلت، وأصبحت الصحافة قوة أدبية واقتصادية لا ينتفع بخيرها إلا أقطاب البيان، ومن اجل هذا صح القول بأن الصحافة المصرية تحتل المكان الثالث في العالم بعد الصحافة الإنجليزية والصحافة الأمريكية، وستظل كذلك ما دام فيها رجال يعرفون انه لا عيب في أن تقوم الأفكار بالأموال، إن جاز الوهم بان الأفكار توزن بموازين الأموال
الظلم البغيض
للظلم أشكال وألوان، فهناك ظلمٌ حُلوٌ عَذْب هو ظلم من يستملح منهم الدلائل، وهناك ظلم تافه هو ظلم من لا يقدمون ولا يؤخرون، وهناك ظلم بغيض هو ظلم من تحسن إليهم فيسيئون إليك. فالذين يعيبون علينا أن نتقاضى أجراً على ما ننشر في الجرائد والمجلات فيهم أناس يظنون فينا القدرة على كل شئ، فهم يدعوننا في كل وقت إلى تزكيتهم عند أصحاب الجرائد والمجلات، ليجولوا ويصولوا، كما يجول ويصول من وهبوا القدرة على التصرف بالخواطر والقلوب
ولو عرف هؤلاء أن حرفة الأدب الغانم قد تحكم على صاحبها بأن يموت قبل الأوان بعشرين عاما أو ثلاثين لزهدوا في الظفر المكسوب بثقة القراء، وهل يثق القراء بكاتب إلا بعد أن يطمئنوا إلى أنه يسود القرطاس بالدم لا بالمداد؟ ثقة القارئ عروس غالية يقدم إليها الكاتب خاتماً قد أتخذ حديده من الدم الذي سفحه على سنان القلم في الليالي الطوال