ثم تأيدت هذه الوثيقة بضع مرات، بواسطة الحكومات التي تولت حكم إنكلترا. وفي سنة ١٢١٥ كان السبب الأكبر الذي دعا إلى عقدها، هو الحيلولة بين الملك وبين أن يصبح دكتاتوراً، ويغتصب الحقوق والامتيازات التي كان يتمتع بها البارونات، أي أنها كانت في الأكثر لفائدة (الأرستقراطية) ولكن الحقوق التي تضمنتها هذه الوثيقة ما لبثت أن أخذت على التدريج تشمل أفراد الشعب، ثم ما لبثت حكومة البلاد بعد ذلك أن أصبحت في متناول يد كل فرد. وفي النظام الحاضر ما يؤيد ذلك. فمجلس اللوردات يمثل (الأرستقراطية) ومجلس العموم يمثل (الشعب)؛ والمجلس الأخير هو الأشد قوة، والأشمل سلطاناً، ومن حقه على الدوام أن يتأكد من أن مصالح (الشعب) لم تطغ عليها مصالح (الأرستقراطية)
والفرق المهم بين الديمقراطية في إنجلترا، وبينها في غيرها من البلاد، هو أن الديمقراطية في إنجلترا تقوم - أكثر ما تقوم - على التأريخ والتقاليد. وحسبنا أن نعلم أن المجالس النيابية التي هي أهم مظاهر الديمقراطية الحديثة قامت في إنجلترا منذ القرن الثالث عشر!
وثمة فارق آخر بين (الديمقراطية الإنكليزية) وبين زميلتها الأمريكية، هو أن العاطفة الديمقراطية كانت حتى أوائل القرن الحاضر، زراعية في أمريكا، بينما كانت وما تزال في إنجلترا، مدنية صناعية؛ ولا يخفى أن الحال تغيرت في أمريكا في هذا الزمن، فقد أصبحت العاطفة المدنية الصناعية لا تقل، وربما كانت أزيد، من العاطفة الزراعية
ومن الفوارق الأخرى أن الديمقراطية كانت في أمريكا وفي القارة الأوربية قرينة للحركة الوطنية وللحركات العسكرية، بينما كانت الحال عكس ذلك في إنجلترا. أنظر إلى الثورة الفرنسية وإلى حرب الاستقلال الأمريكية، تجد انهما قرنتا الديمقراطية بالقوة العسكرية للدولة، بينما كانت القوة العسكرية في بريطانيا قرينة (نقص في الحرية) ورد الفعل الناجم عن ذلك النقص. واستخدمت إنجلترا قواتها العسكرية في تنظيم الأمم الخاضعة لها أكثر مما استخدمتها في الدفاع عن نفسها، من أجل هذا السبب كانت الديمقراطية الإنكليزية أقل حكومات العالم ميلا إلى الحرب
وقد اصبح (عدم الميل إلى الحرب) هذا فيما بعد خاصية من أهم خواص الأمة البريطانية. ومع أن المعروف هو أن الشعب الذي كان لا يحب شيئا ما، فأنه عادة لا يتقنه، فأن هذه القاعدة تشذ، عندما يكون ذلك الشعب هو الشعب البريطاني، ويكون ذلك الشيء هو