على غير حادث، وقفت حركة الهجرة، وسئم المهاجرون تكاليف العيش الجديدة ورجعوا إلى بلادهم بالتدريج، ورحل ضيوف خالد أفندي ورحلت معهم زوجته، فقد رافقت أختها إلى القاهرة. وهكذا أصبح خالد أفندي وحيدا في المنصورة، أو أعزب إلى أجل! وتنفس الصعداء، وشعر بالحرية المطلقة في غدوه ورواحه، وراح يحن إلى أيام شبابه ولهوه
وكانت تمر أمامه، بعد غروب كل شمس، فتاة رائعة الحسن جذابة الملامح، من هؤلاء اللواتي تدفعهن الفاقة إلى العمل. كانت تبيع الحلوى، وتمر على الجالسين في المقهى ضاحكة مازحة. وكانت تخص خالد أفندي ببعض وقتها ومزاحها، لأنه رجل وقور حسن السمعة! وكان يمازحها ويتلطف معها في الحديث. ثم يشيعها بنظراته النهمة. وكان جسمها أكبر من سنها بارز المفاتن رائع التكوين. وفي عينيها بريق وإغراء قل أن يجتمعا في عيني امرأة. وكان خالد أفندي يدرك هذه المحاسن كلها ولكنه كان يرد نفسه عنها تورعا. على أنها لما مرت أمامه في ذلك اليوم تتثنى وتميل بجسمها وعلى شفتيها الرقيقتين ابتسامة، وفي عينيها ذلك البريق الأخاذ استوقفها وابتاع منها بعض الحلوى، وهو يضاحكها ويداعبها. ثم همس في أذنها كلاما فتورد وجه الفتاة، وغضت رأسها. ثم مضت عنه، وهي تهز رأسها ضاحكة وغابت في جوف الظلام
وظل ساكنا في مقعده لحظات. وهو ينفض المكان بعينيه ويرقب! ثم اندفع في الطريق الذي سارت فيه، وقد زاده تمنع الفتاة حماسة وثورة. وأوسع المجال لخطاه لما اجتاز المقاهي المتناثرة على حافة النهر حتى بدأ يلهث ونفض جسمه العرق. يا لله. . . إنه يسير الآن في الطريق الذي كان يتنزه فيه مع زوجه وأولاده مساء كل خميس حتى يبلغوا شجرة الدر! لقد مات الآن في نظره كل شيء وانمحت الذكريات وأسدلت الستر على الماضي كله بخيره وشره. وأصبح لا يرى الآن تحت تأثير العاصفة التي ألهبت جسمه وأشعلت النار في كيانه، غير نساء عاريات سابحات في النهر يتضاحكن ويهتفن به!
وبصر بها وهي تجتاز ميداناً صغيراً على رأس الطريق ينعطف إلى المدينة، فجمع حواسه في باصرته، وانطلق في أثرها
ومضى معها تحت ستار الظلام إلى البيت، ودارت ببصرها في جوانب القاعة في تهيب وخجل. ثم جلسا للعشاء، فأرغمها على الشراب، فزال عنها حياؤها بالتدريج، وتفتحت