وإن اكبر ما يعاب على المجتمع الحالي اعتقاده إن الثورة الدموية هي الطريق للخلاص، وان الحرب شر لابد منه. وان القتال قانون طبيعي لولاه لازدحم العالم بالسكان ولما وجدوا قوتا يكفيهم. وليس اسخف من هذا الزعم زعم. فان اشد ما يعتز به الفرد هو حياته، واقدس واجب لديه هو المحافظة على هذه الحياة والعمل على إبقائها. واكبر أمنية للإنسان هو الخلود أو العيش إلى أطول العمر، فتناقض إذن إن تزعم أن قانون الحياة هو الموت أو إن من الضروري أن يقتل الأخ أخاه.
لقد دعا تولستوي إلى السلام والأخاء الإنساني. وأهاب بالإنسانية القضاء على التسلح والمقاومة.
وقد يبدو إن هذا أمر ثانوي لا علاقة له بإصلاح العالم. ولكن ليعتقد الأفراد جميعا أن الشر هو في الحروب. وان بؤس الإنسانية راجع إلى العنف والاستبداد، وليؤمنوا بالسلام وضرورته، وستسقط بطبيعتها جميع النظم القائمة. فلن تقوم حكومة من الحكومات إلا إذا استندت إلى إرادة الشعوب، ولن يوضع قانون إلا إذا رغب فيه الأفراد. ولن تسير دفة العمل من الأعمال إلا إذا كان قائما على التعاون والاشتراك. ولن تجد نزاعا بين دولة وأخرى إلا ويفض في بضعة أيام عن طريق التحكيم. فتولستوي يرى من العبث التفكير في كيف تكون الحكومة. أو على أي أساس تشرع القوانين. إذ الحكومة لديه ليست إلا مجموعة أفراد والقوانين ليست إلا من وضع بضعة أفراد. والدولة لا معنى لها إلا بمجموع أفرادها!
ففي إصلاح افرد وحده. وفي الارتفاع بعقليته والسمو بنفسيته أساس المدنية المستقبلة. ماذايجدي أن تصلح من شان حكومة، إذا كان القائمون بها هم هم لم تتغير نفوسهم.
لن يجدي هذا نفعا. ولكن يكفي أن يعتقد كل فرد بوحشية الحروب في سبيل قطعة ارض أو من اجل شهرة وطنية كاذبة. ويكفي أن يمسي هذا الاعتقاد عملا حتى يشرق الصباح عن اختفاء اله الحرب من الأرض
ويمكن - إذا آمن الناس بضرر الفروق الاجتماعية بين الطبقات وما يساعد على إبقاء هذه الفروق من قانون الوراثة ونظام الملكية - أن تختفي الملكية فجأة وتحل المساواة بين البشر.