للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا شك انه لو أيقن كل إنسان أن سعادته في خدمة اكبر مجموعة إنسانية يستطيع خدمتها لانهارت من أساسها ما نسميها الوطنية التي تراق من اجلها الدماء وتزهق تحت علمها ملايين الأرواح. ويجر باسمها الخراب والدمار والارتباكات المالية الاقتصادية.

فلتقم الشعوب. لا بل لتقم طائفة منها تعلن أن كفاهم رياء وخداع، وانهم لن يخضعوا إلا لما توحيه إليهم ضمائرهم، ولن يعملوا إلا ما تحتم عليه مبادئهم. فلا يذهبون إلى قتال يعتقدونه شرا ولا ينفذون قانون لا يرون فيه خيرا. ولا يدفعون ضريبة لا معنى لها. ولاشك أن كل مساوئ العهد الحالي تصبح في خبر كان.

إن للرأي العام قوة عظيمة تسير الحكومات والدول. فإذا ما أراد الرأي العام شيئا فهو واصل إلى ما يريد. والرأي العام ساخط متذمر من النظام الحالي وهو يريد أن يعمل شيئا، ولكن لا يعرف ما يريد ولا يدري ماذا يعمل.

قد تسأل: ومن له الشجاعة ليقوم بهذه الدعوى ومن له الاستعداد لما قد تجره عليه من اضطهاد وسجن وتشريد؟

ولكن تولستوي يعجب: لماذا تنتظر الإنسانية منقذاً من السماء أو مسيحاً يهبط إلى الأرض.

إن نفسية الجماعات الحاليةلا تحتاج إلا إلى بضعة أفراد بل فرد جريء يرشدها إلى طريق العمل حتى تقوم قومة رجل واحد.

- ٤ -

إن صلاح نفوس الأفراد وتربيتهم من اخطر ما يدعو إليه تولستوي، وهذه التربية أما أن تتناول الصغار أو الكبار. فهي للكبار بث العقيد الإنسانية فيهم وإقناعهم أن لا فائدة تعود عليهم من حرب ضروس، والإهابة بهم إلى نبذ العنف وإحلال الوئام والصفاء.

وأما تربية الصغار فهي اجل واعظم شانا.

ولقد سدد تولستوي إلى التربية الحديثة سهاما مسمومة. وكال لها تهما شنيعة، وليس يعنيه من أمر المدرسة علوم تحشى بها أذهان الطلبة المساكين ولكن يعنيه روح التربية.

فالتربية الحديثة تساعد أحط الغرائز على الظهور والنمو، فهي تبث التنافس والغيرة والحقد في نفوس الأطفال وتشبعهم بفكرة العقاب والثواب، وتلقى في روع الطفل الأنانية وحب الفوز على أكتاف إخوانه من التلاميذ. فهو يهنأ على تقدمه عليهم، ويكافأ إذا بذهم وفاقهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>